«داعش» وجهلنة الإسلام
صحيفة الوفاق الإيرانية - حبیب فیاض :
لیست الظاهرة الداعشیة حالة عابرة فی الواقع العربی بمقدار ما هی انحراف مستوطِن ومقیم. فالداعشیة فی هذا الواقع، الذی لم یخل یوماً من ظواهر العنف، لیست سوى بؤرة جذب جماعیة لحالات فردیة فقدت التوازن بسبب اختلالات دینیة واجتماعیة وسیاسیة وتربویة، بحیث یصح القول إن الحراک الداعشی المشهود هو شکل آخر ومتقدّم من أشکال العنف الذی شهدته المجتمعات العربیة على أیدی الأنظمة أو المیلیشیات والجماعات المتقاتلة، مع فارق أنه فی غیر الحالة الداعشیة، غالباً ما لم تکن الفعالیات العنفیة مشرعنة دینیاً عبر التراث الفتوائی، بنحو یجعل الذبح او الرمی من شاهق أو حتى الحرق، حداً شرعیاً وقصاصاً یحیی أولی الالباب بالطریقة التی یریدها الداعشیون.
من هنا، لا یصح احتساب احراق الطیار الاردنی معاذ الکساسبة خارج سیاق مشهد العنف العربی الا فی طریقة الفعل الدموی والإصرار على تظهیره وفق آلیات إعلامیة محترفة. فما کشف من أرشیف أجهزة الاستخبارات عن ارتکابات الأنظمة العربیة البائدة، بعید «الربیع العربی»، یکشف ما لا یقل وحشیة عن الإحراق الداعشی للکساسبة. یکفی، للتأکد من ذلک، العودة الى مئات الفیدیوهات الموثقة والمنتشرة على وسائل الإعلام الالکترونی: دفن للأحیاء، بتر للأعضاء، قطع للرقاب...
فی العمق، المشهد العربی الراهن لیس مبایناً لأحوال العرب إبان الجاهلیة الأولى. تقریباً المشهد هو ذاته، غیر أنه یراعی تحولات الزمان والمکان. إذ باستثناء الممارسة الدینیة الشعائریة، فلیس ثمة ما یعیشه المجتمع العربی خارج جاهلیة عصریة استبدلت الأصنام بالزعماء، والغزو بالتقاتل، والعشیرة بالجماعة، والثأر بالتآمر، وبیت الشعر (بفتح الشین) بالعشوائیات، والوأد بجرائم الشرف، واللصوصیة بنهب المال العام، والقحط بالفقر والبطالة، وحرب «البسوس» بحروب مستدیمة لا طائل منها، و...
الجاهلیة التی أصابت المجتمع العربی الحدیث ناجمة عن ثلاثیة التخلف الدینی والتبعیة للخارج واستبداد الانظمة. فالداعشیة المعهودة لیست سوى الجاهلیة الأولى ولکن بطورها الأخیر، حیث نجحت «داعش» فی جهلنة الإسلام، واستطاعت تشویه استثناءاته وتأطیرها فی صورة واحدة وإحلالها مکان الجوهر والأصل.
لیس أدلّ على مأساویة الوضع العربی من توزع الناس بین مؤید لـ «داعش» على هول ما تفعله وممتعض منها عاجز عن فعل شیء. لا یکفی للخلاص من جاهلیة الداعشیین الوعظ والإرشاد والحدیث عن وسطیة الإسلام واعتداله. الفعل الداعشی المتشدّد لا یدحضه إلا فعل دینی معتدل یوازیه فی الضدیة. ولا قیمة للحدیث عن نصاعة المفهوم الدینی، مهما کان ناصعاً فی الحقیقة، ما دام الداعشیون یمسکون بناصیة الممارسة والتطبیق. الخلاص من «داعش» وأخواتها یحتاج الى إعادة بناء حضاری تفتقده المجتمعات الإسلامیة، ولا مفرّ من الاعتراف أن التخلّف الداعشی هو، قبل کل شیء، نتاج خلل فی الرؤیة الدینیة، باعتبار أن الدین وتطبیقاته هما الأصل فی حالتی التخلف والتقدم لدى المسلمین.
لیست الظاهرة الداعشیة حالة عابرة فی الواقع العربی بمقدار ما هی انحراف مستوطِن ومقیم. فالداعشیة فی هذا الواقع، الذی لم یخل یوماً من ظواهر العنف، لیست سوى بؤرة جذب جماعیة لحالات فردیة فقدت التوازن بسبب اختلالات دینیة واجتماعیة وسیاسیة وتربویة، بحیث یصح القول إن الحراک الداعشی المشهود هو شکل آخر ومتقدّم من أشکال العنف الذی شهدته المجتمعات العربیة على أیدی الأنظمة أو المیلیشیات والجماعات المتقاتلة، مع فارق أنه فی غیر الحالة الداعشیة، غالباً ما لم تکن الفعالیات العنفیة مشرعنة دینیاً عبر التراث الفتوائی، بنحو یجعل الذبح او الرمی من شاهق أو حتى الحرق، حداً شرعیاً وقصاصاً یحیی أولی الالباب بالطریقة التی یریدها الداعشیون.
من هنا، لا یصح احتساب احراق الطیار الاردنی معاذ الکساسبة خارج سیاق مشهد العنف العربی الا فی طریقة الفعل الدموی والإصرار على تظهیره وفق آلیات إعلامیة محترفة. فما کشف من أرشیف أجهزة الاستخبارات عن ارتکابات الأنظمة العربیة البائدة، بعید «الربیع العربی»، یکشف ما لا یقل وحشیة عن الإحراق الداعشی للکساسبة. یکفی، للتأکد من ذلک، العودة الى مئات الفیدیوهات الموثقة والمنتشرة على وسائل الإعلام الالکترونی: دفن للأحیاء، بتر للأعضاء، قطع للرقاب...
فی العمق، المشهد العربی الراهن لیس مبایناً لأحوال العرب إبان الجاهلیة الأولى. تقریباً المشهد هو ذاته، غیر أنه یراعی تحولات الزمان والمکان. إذ باستثناء الممارسة الدینیة الشعائریة، فلیس ثمة ما یعیشه المجتمع العربی خارج جاهلیة عصریة استبدلت الأصنام بالزعماء، والغزو بالتقاتل، والعشیرة بالجماعة، والثأر بالتآمر، وبیت الشعر (بفتح الشین) بالعشوائیات، والوأد بجرائم الشرف، واللصوصیة بنهب المال العام، والقحط بالفقر والبطالة، وحرب «البسوس» بحروب مستدیمة لا طائل منها، و...
الجاهلیة التی أصابت المجتمع العربی الحدیث ناجمة عن ثلاثیة التخلف الدینی والتبعیة للخارج واستبداد الانظمة. فالداعشیة المعهودة لیست سوى الجاهلیة الأولى ولکن بطورها الأخیر، حیث نجحت «داعش» فی جهلنة الإسلام، واستطاعت تشویه استثناءاته وتأطیرها فی صورة واحدة وإحلالها مکان الجوهر والأصل.
لیس أدلّ على مأساویة الوضع العربی من توزع الناس بین مؤید لـ «داعش» على هول ما تفعله وممتعض منها عاجز عن فعل شیء. لا یکفی للخلاص من جاهلیة الداعشیین الوعظ والإرشاد والحدیث عن وسطیة الإسلام واعتداله. الفعل الداعشی المتشدّد لا یدحضه إلا فعل دینی معتدل یوازیه فی الضدیة. ولا قیمة للحدیث عن نصاعة المفهوم الدینی، مهما کان ناصعاً فی الحقیقة، ما دام الداعشیون یمسکون بناصیة الممارسة والتطبیق. الخلاص من «داعش» وأخواتها یحتاج الى إعادة بناء حضاری تفتقده المجتمعات الإسلامیة، ولا مفرّ من الاعتراف أن التخلّف الداعشی هو، قبل کل شیء، نتاج خلل فی الرؤیة الدینیة، باعتبار أن الدین وتطبیقاته هما الأصل فی حالتی التخلف والتقدم لدى المسلمین.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق