كتب العديد من المؤرخين عن استشهاد مار أدي شير، وقد استقصوا
معلوماتهم عن هذا الحدث المفزع من خلال ما سمعوه من أشخاص كانوا شهود عيان لما جرى
بحق هذا الشهيد ، كانوا قد التقوا بهم بعد هدوء العاصفة ، و مع وجود اختلاف في بعض
النقاط بين شهادة و اخرى ، لكن المضمون يبقى واحد ، نذكر منها الشهادات التالية:
1- شهادة الأب بولس بيرو: " قبل ان تُسافر القافلة الأولى أوقف مار أدي شير، وعُهد أمر حراسته إلى أحد أفراد شرطة سعرت ، المدعو نور الله بن مولود ، و بقي سيادته مسجوناً في قبو المركز الحكومي ، وهناك لقي أصناف الإهانات ، وعانى من الحرمان وجرد من ماله ومن مال الكنيسة ، بعد أن هددوه بالقتل ، حاول إنقاذه أحد آغوات طنزي المدعو عثمان آغا ، رداً منه على المعروف الذي أسداه نحوه وعلى الخدمات الجليلة التي قدمها له في مناسبات عدة ، بالأخص لقاء ما أبداه سيادته من عطف نحو عائلة بدر خان أمير أكراد بوتان ، فما أن بلغ عثمان نبأ توقيف المطران أدي شير ، حتى بادر إلى إنقاذه في الحال مخاطراً بحياته ، فأرسل إلى سعرت 15 من رجاله الشجعان مدججين بالسلاح ، فتوجهوا إلى منزل نور الله وانذروه وهددوه بأسم الآغا عثمان ، و إن لم يسلم إليهم المطران أدي شير سالماً معافى ، سينهبون قطعانه ويحرقون مزارعه ، فرضخ للأمر الواقع ، وفضل أن يسلم لهم المطران من أن يخسر قطعانه وزرعه لذا سلمه لهم ، فهربوا به متسترين تحت جنح الليل ، حتى بلغوا به قرية طنزي مقر إقامة الآغا عثمان ، الواقعة على بعد ست ساعات سيراً على الأقدام من سعرت ، و هناك رحب به الآغا أحر ترحيب ، إلا أن الشرطي نور الدين الموكول على حراسة المطران ، تعرض إلى سخط رؤوسائه وعقابهم ، رغم محاولته تبرئة ذاته بتبرير موقفه ، و في تزاحم تلك الأحداث اضطر عثمان آغا هو ورجاله إلى مغادرة القرية لرد هجوم قام به أعداؤه على ممتلكاته ، ولحرصه الشديد على حياة المطران خبأه بكهف في هضبة " ديري بسان " . إلا أن محمد أفندي أخ النائب عبد الرزاق ، ذلك المشهود له بحقده على المسيحيين وتعطشه إلى دمائهم ، أبلغ السلطات بهرب المطران واختفائه ، فكلف الملازم الأول حمدي أفندي بقيادة كتيبة من الخيالة، ليتعقب أثار المطران الهارب. وفي ديري بسان اشتبك رجال الأمن العثماني مع حراس المطران ، في معركة غير متكافئة لم يصمدوا فيها طويلاً أمام عدد وعدة المهاجمين ، إذ حين نفذت ذخيرة الحراس لاذوا بالفرار تاركين المطران لقدره ، فريسة بين أيدي مجرمين خلت قلوبهم من المشاعر الإنسانية ، وحالما وجدوه أطلقوا عليه وابلاً من نيران بنادقهم فأردوه قتيلاً مضرجاً بدمائه ، وهكذا فارق الحياة هذا المؤرخ الكبير والحبر الأثيل ، الذي أدى خدمات جليلة لأمته والإنسانية ، وتحية إجلال للأكراد هؤلاء وإن كان فيهم عيب إلا أنهم في هذا الموقف أبدوا شهامة ونبلاً ، إذ عملوا جهدهم لحماية هذا الرجل العظيم ، و لكن ما حيلتهم أمام العثمانيين المتفوقين عليهم عدداً وعدة ، والمتفوقين أكثر في بربريتهم وهمجيتهم ، إذ لم يتألموا من قتل رجل من هذا الطراز الفريد ، عزاؤنا أنه نال إكليل الشهادة ، و يتمتع الآن بالسعادة الأبدية في الأخدار السماوية ".
1- شهادة الأب بولس بيرو: " قبل ان تُسافر القافلة الأولى أوقف مار أدي شير، وعُهد أمر حراسته إلى أحد أفراد شرطة سعرت ، المدعو نور الله بن مولود ، و بقي سيادته مسجوناً في قبو المركز الحكومي ، وهناك لقي أصناف الإهانات ، وعانى من الحرمان وجرد من ماله ومن مال الكنيسة ، بعد أن هددوه بالقتل ، حاول إنقاذه أحد آغوات طنزي المدعو عثمان آغا ، رداً منه على المعروف الذي أسداه نحوه وعلى الخدمات الجليلة التي قدمها له في مناسبات عدة ، بالأخص لقاء ما أبداه سيادته من عطف نحو عائلة بدر خان أمير أكراد بوتان ، فما أن بلغ عثمان نبأ توقيف المطران أدي شير ، حتى بادر إلى إنقاذه في الحال مخاطراً بحياته ، فأرسل إلى سعرت 15 من رجاله الشجعان مدججين بالسلاح ، فتوجهوا إلى منزل نور الله وانذروه وهددوه بأسم الآغا عثمان ، و إن لم يسلم إليهم المطران أدي شير سالماً معافى ، سينهبون قطعانه ويحرقون مزارعه ، فرضخ للأمر الواقع ، وفضل أن يسلم لهم المطران من أن يخسر قطعانه وزرعه لذا سلمه لهم ، فهربوا به متسترين تحت جنح الليل ، حتى بلغوا به قرية طنزي مقر إقامة الآغا عثمان ، الواقعة على بعد ست ساعات سيراً على الأقدام من سعرت ، و هناك رحب به الآغا أحر ترحيب ، إلا أن الشرطي نور الدين الموكول على حراسة المطران ، تعرض إلى سخط رؤوسائه وعقابهم ، رغم محاولته تبرئة ذاته بتبرير موقفه ، و في تزاحم تلك الأحداث اضطر عثمان آغا هو ورجاله إلى مغادرة القرية لرد هجوم قام به أعداؤه على ممتلكاته ، ولحرصه الشديد على حياة المطران خبأه بكهف في هضبة " ديري بسان " . إلا أن محمد أفندي أخ النائب عبد الرزاق ، ذلك المشهود له بحقده على المسيحيين وتعطشه إلى دمائهم ، أبلغ السلطات بهرب المطران واختفائه ، فكلف الملازم الأول حمدي أفندي بقيادة كتيبة من الخيالة، ليتعقب أثار المطران الهارب. وفي ديري بسان اشتبك رجال الأمن العثماني مع حراس المطران ، في معركة غير متكافئة لم يصمدوا فيها طويلاً أمام عدد وعدة المهاجمين ، إذ حين نفذت ذخيرة الحراس لاذوا بالفرار تاركين المطران لقدره ، فريسة بين أيدي مجرمين خلت قلوبهم من المشاعر الإنسانية ، وحالما وجدوه أطلقوا عليه وابلاً من نيران بنادقهم فأردوه قتيلاً مضرجاً بدمائه ، وهكذا فارق الحياة هذا المؤرخ الكبير والحبر الأثيل ، الذي أدى خدمات جليلة لأمته والإنسانية ، وتحية إجلال للأكراد هؤلاء وإن كان فيهم عيب إلا أنهم في هذا الموقف أبدوا شهامة ونبلاً ، إذ عملوا جهدهم لحماية هذا الرجل العظيم ، و لكن ما حيلتهم أمام العثمانيين المتفوقين عليهم عدداً وعدة ، والمتفوقين أكثر في بربريتهم وهمجيتهم ، إذ لم يتألموا من قتل رجل من هذا الطراز الفريد ، عزاؤنا أنه نال إكليل الشهادة ، و يتمتع الآن بالسعادة الأبدية في الأخدار السماوية ".
2- شهادة الخوري أسقف فيليبس شوريز: " لقد ألقي
القبض على سيادة المطران أدي شير أواخر شهر أيار سنة 1915، و بعد أن دفع دية قدرها
500 ليرة عثمانية إلى المتصرف ، لم يودع السجن إنما بقي تحت الإقامة الجبرية في
دار المطرانية ، تحت رقابة صديق بدر الدين مدير الشرطة ، و في إحدى الليالي أرسل
عثمان آغا رجاله إلى دار المطرانية ، وأنقذوا المطران بعد أن دلوه من فوق سور
البناية متنكراً بزي كردي ، وتوجهوا وإياه إلى منطقة البوتان ، حيث التحق به وجهاء
قرى صدخ و قطمس و حديد و مار كوريال ، و احتموا بقرية طنزي اليزيدية الواقعة إلى
شمال بلق ، إلا أن حكومة سعرت سرعان ما عرفت بهرب المطران فلاحقته و اكتشفت موقع
اختبائه ، فأرسلت في أثره مفارز من الدرك ، فحاصروا القرية و احرقوها و قتلوا
سكانها اليزيد و المسيحيين على حد سواء ، و غافلهم المطران فهرب إلى الجبل محتمياً
بعثمان آغا ، و تحين فرصة ليتسلل إلى طريق جبلي متعرج ، لعله يواصل سيره إلى
الموصل برفقة شلة من رجال الآغا المسلحين ، إلا أن الدرك هددوا الآغا بالقتل إن لم
يدلهم على الطريق الذي سلكها المطران الهارب ، فدلهم و لحق به الدرك المدججون
بسلاحهم ، و على سفح الجبل أدرك الحرس و المطران و فتحوا عليهم النار ، و جرت مقابلة
حامية الوطيس بين الطرفين ، و عند نفاد ذخيرة حراس سيادته ، و لوا الأدبار و تركوا
المطران بيد الدرك ، الذين ألقوا القبض عليه و قادوه إلى رئيسهم ، الذي أمر برميه
بالرصاص ، فرجاهم المطران أن يمهلوه قليلاً ريثما يتهيأ للموت ، عندئذ خلع لباسه
الكردي وارتدى ثوبه الأسقفي ثم جثا على ركبتيه مصلياً ، و بعد مضي عشر دقائق هب
واقفاً ليقول لأولئك الرجال المصوبين إليه بنادقهم : ها أنا ذا مستعد للموت . و للحال
أطلقت عليه خمس رصاصات اخترقت صدره ، و هوى على أثرها صريعاً مضرجاً بدمائه الزكية
، لتصعد روحه الطاهرة إلى باريها متوجة بإكليل الشهادة ، و هذه الرواية قصها أحد
الرجال الخمسة الذين أطلقوا النار على المطران أدي شير ، بينما كان في حراسة مدير
بنك الحكومة العثمانية و هو في طريقه إلى الموصل ، ليلتحق هناك بمنصبه الجديد ،
وقد نقل عن المطران أدي شير قوله :" أن الإمبراطورية العثمانية لن يطول حكمها
أكثر من خمس سنين ، و لعلها نبؤة ، و قد تحققت فعلاً ".
3- شهادة السيد عبدو بزر: في مطرانية حلب الكلدانية وثيقة بخط الأب ( المطران ) صموئيل شوريز تحت عنوان " أضواء جديدة على استشهاد المرحوم المطران أدي شير " مؤرخة في 23/ 3/ 1963م وهي شهادة للمدعو عبدو حنا بزر و هو من تولد ماردين سنة 1891م ، تحدث فيها عن مقتل المطران أدي شير نقلاً عن عثمان آغا الطنزي ، أن السيد عبدو من طائفة الأرمن الكاثوليك قصير القامة يعتمر طربوش ، و كان في مجالسه يتحدث دوماً عما شاهد أو سمع خلال المذابح ، ولا نعلم هل ما كان يملكه من المعلومات قد وثق من قبل طائفته أو أهله ، و قد وجدنا من الضروري ذكر هذه الشهادة ، كون العم عبدو بزر قد سمعها من فم عثمان آغا صديق المطران أدي شير ، و هذا نص الشهادة :" في سنة 1916م ذهبت مع الجيش الألماني إلى قرية طنزي لأجل شراء مستلزمات لأجل صناعة الأكلاك ، و هذه القرية تقع في جبال البوتان بين مدينتي الجزيرة و سعرت ، و هناك التقيت عثمان آغا الذي قص عليّ ما جرى للمطران شير قائلاً : تعود صداقتي الحميمة مع المطران إلى سنة 1913م عندما حكمت عليّ الحكومة العثمانية بالإعدام غيابيا ً، فذهبت إلى سعرت و التقيت المطران شارحاً له قضيتي ، فأستقبلني أحسن استقبال و مضى بي إلى دير البواتري " الآباء الدومنيكان " و خبأني عندهم ، و طلب منهم التوسط لدى القنصل الفرنسي في استنبول للحصول على عفو من الحكومة لي ، و بالفعل نلت العفو بجهودهم . و في سنة 1915م عندما بدأت المذابح بحق المسيحيين علمت أن المطران يعاني الكثير من المضايقات ، فذهبت ليلاً مع ثلاثة من أخوتي إلى سعرت و هربنا المطران و جئنا به إلى قريتنا طنزي التي تبعد مسيرة 6 ساعات سيراً على الأقدام ، ما أن وصلنا القرية حتى سألني المطران عن رعيته في القرية ، فقلت له أنهم بخير و قد صعدوا إلى الجبال مختبئين داخل المغاير ، فطلب مني أن أوصله عندهم ، لكنني قلت له يجب أن أوصلك إلى الموصل حتى تنجو من الموت ، لأن في منطقتي أعداء كثر لي و أخاف أن يعلموا الحكومة بوجودك عندي . فرفض المطران عرضي قائلاً : طالما أن أبنائي هنا فيجب عليّ أكون معهم في هذه المحنة ، و من المستحيل تركهم لأنجو بنفسي . و قد كررت عليه طلبي مراراً ، لكنه رفضه رفضاً قاطعا ً. و عليه أوصلته عند جماعته في الجبل . و بعد ثلاثة أيام طلبت مني الحكومة تسليم المطران المختبئ عندي ، لكنني نكرت وجوده عندي قائلاً أنه هرب هو و جماعته و لا أدري إلى أين اتجهوا . و قد نلت الكثير من الويلات بسبب موقفي هذا ، فهدمت ممتلكاتي و سلبت أموالي . و في هذا الأثناء أرسل رسول محمد آغا و هو من ألذ أعدائي رجاله إلى الجبل للتأكد من مكان المطران و جماعته . و بعد أن عرف رسول آغا مكان وجود المطران ، طلب من الحكومة أن تزوده بالجنود ، فذهب إلى المكان المحدد و احاطه بالجنود و رجاله حتى القوا القبض على المطران . فاقتاد رسول آغا المطران إلى قرية تل ميشار التي تبعد مسيرة ساعة عن قرية طنزي ، و هناك سلمه لضابط تركي . فطلب المطران من الضابط أن يمنحه بعض الوقت ليؤدي صلاة قصيرة ، فسمح له الضابط بذلك . و بعد أن انتهى من صلاته سلمه الضابط لرسول آغا و طلب منه أن يقتله بطلقة نارية دون تعذيب . فاقتاده رسول إلى مغارة صغيرة شمال القرية و قتله هناك . ثم جاء رجال رسول و احرقوا جثة المطران شير . و أضاف عثمان آغا أن رسول آغا قتل كل كلدان قرية تل ميشار و عددهم 200 عائلة واستولى على جميع ممتلكاتهم ، كما قتل كل المسيحيين الذين التجئوا إلى حمايتي . هذا ما نقله العم عبدو بزر عن عثمان آغا طنزي . و يختم شهادته قائلاً : لقد استطعت الذهاب إلى تل ميشار بعد سماعي الحدث من عثمان آغا ، و صعدت إلى مكان مقتل المطران شير و شاهدت المغارة التي قتل فيها ، و هي صغيرة وبالكاد تتسع لثلاثة أشخاص . و لا يزال رسول محمد آغا قاتل المطران حي يرزق ، و قد هجر إلى سوريا و هو يعيش في قرية عين ديوار السورية المطلة على نهر دجلة في المثلث الحدودي السوري التركي العراقي " .
4- شهادة السيد حنا جلو: المدعو حنا جلو ينحدر من قرية ميدن القابعة في طور عبدين . نزح إلى سوريا و انضم إلى الجيش الفرنسي ، و ترقى إلى رتبة كرديموبيل لدى المستشار الفرنسي في منطقة عين ديوار ، و الواقعة في أقصى شمال شرق سوريا ، على المثلث الحدودي بين سوريا و تركيا و العراق عند نهر دجلة . و قد روى ما سمعه من الأخوين عكيد و رسول آغا و هذا نص الشهادة :" وصل إلى عين ديوار أخوان كرديان هما : عكيد آغا و رسول آغا أبناء إسماعيل آغا أحد زعيمي بلدة طنزي الكائنة في جبال البوتان جنوب شرقي تركيا ، و ذلك هرباً من سخط مصطفى كمال أتاتورك الذي أعدم المئات من زعماء الأكراد و آغاواتهم . و قد تعرفت عليهم ، و مع الأيام توطدت العلاقة بيننا . فأخذ يرويان لي عن المجازر التي ارتكبوها بحق المسيحيين المسالمين في طنزي ، و في سياق الحديث ذكروا حادثة قتل المطران أدي شير ، و كيف كانوا السبب المباشر في قتله . و قالا لي : يبدو أن الجريمة الفضيعة التي ارتكبناها بحق المسيحيين الأبرياء المسالمين ، و خاصة بحق المطران أدي شير ، هي التي تلاحقنا الآن . و يبدو أن الله ينتقم منا الآن جزاء ما اقترفناه بحق المسيحيين ، فها أن ضميرنا يؤنبنا و يعذبنا ليل نهار . و أننا هاربون من ملاحقة مصطفى كمال زعيم تركيا ، فقد كنا من زعماء الأكراد الأغنياء في منطقتنا ، نملك الكثير ، نأمر و ننهي كما نشاء . أما اليوم فنحن مهاجرون و هاربون من وجه العدالة ، و مطاردون لا نملك شيئا ً. أما قصة مقتل المطران أدي شير فقد جرت على الشكل التالي : لما بدأت المجازر بحق المسيحيين و تم القضاء على معظمهم ، هرب المطران أدي شير من سعرت ، و توجه إلى قرية طنزي لدى صديقه عثمان آغا ، و لما حل المطران ضيفاً على عثمان آغا ، أراد عثمان الرجل الشهم أن ينقذ المطران من المصير الأسود الذي حل بالمسيحيين . و قد دافع عنه و أنزله في داره ، مزمعاً أن ينقله سراً إلى مدينة الموصل . علماً أن تلك المنطقة كانت قد فرغت كلياً من الوجود المسيحي لأنهم ذبحوا جميعاً . و كانت العداوة شديدة بينه وبين إسماعيل آغا والد عكيد و رسول . و ما أن علموا بوجود الضيف المسيحي لدى عدوهم عثمان آغا ، في وقت كان يجب فيه أن يباد جميع المسيحيين كم نصت الأوامر السلطانية بذلك . و لما لم يكن بمقدور إسماعيل و ولديه مجابهة عدوهم عثمان آغا ، و يطلبوا منه أن يسلمهم ضيفه المسيحي ليقتلوه . فقد أسرع عكيد آغا في التوجه إلى سعرت ، لإعلام السلطات هناك طالباً مساعدتهم . و قد استجابت السلطات له ، و عاد و معه مفرزة من الجيش النظامي بقيادة ضابط . و بوصول الجيش إلى طنزي توجهوا نحو بيت عثمان آغا ، و أخذوا يضربون الرجال و النساء ، يسألونهم عن مخبأ المطران ، و كانت غرفة المطران في أعماق الدار . و ما أن سمع المطران أصوات الجنود القادمين لقتله ، و أصوات و صراخ الرجال و النساء من جراء الضرب و الإهانات الموجه إليهم ، حتى قام لفوره و خرج من غرفته و وقف وجهاً لوجه أمام الجنود قائلاً : أنا هو من تبحثون عنه ، فلا تضربوا هؤلاء الأبرياء . أنني حاضر أمامكم فتفضلوا وافعلوا بي ما يطيب لكم . فألقى الجنود القبض عليه حالاً ، و ساقوه إلى دار رسول و عكيد آغا ، حيث كان الضابط قائد المفرزة في المضافة منتظراً . و كان الضابط مثقفاً ، و بعد محادثة قصيرة بالتركية أخذ يتحدثان بالفرنسية معاً . فقال له الضابط : لدينا أمر صريح بقتلك . فرد عليه المطران : أجل أني أعلم بذلك . فقال له الضابط : اعتنق الإسلام و ستنجو و لن يصيبك مكروه ، بل لن يتجرأ أحد على الامساك بك حينها . فرد عليه المطران و هو يضع يده على لحيته قائلاً : يا حضرة الضابط لا يليق بي أبداً أن أفعل ذلك ، فإذا كان لديك أمر بقتلي فأنا حاضر للموت ، و لا أستطيع أن أتخلى عن ديني و أعتنق الإسلام ، فأهين نفسي و أحتقر ديني ، و أخون جماعتي التي ائتمنتني . فأني مسؤول في طائفتي و ديني ، أرجو أن لا تطلب هذا مني . فقال له الضابط : إذاً استعد للموت . فرد عليه المطران : أنا حاضر يا حضرة الضابط . و لما كان الضابط لطيفاً في كلامه مع المطران ، فقد أراد أن يقدم له هدية تقديرية ، إذ كان يقتني في جيبه ساعة قيمة ، فأخرجها وقدمها للضابط طالباً منه قبولها كهدية . فأخذها الضابط شاكراً . ثم قال له المطران : يا حضرة الضابط لدي طلب ، أريد أن تقتلوني رمياً بالرصاص ، لا أن تعذبوني و تقتلوني بالسيف و الخنجر . فرد عليه الضابط بالإيجاب ، و اعداً بتحقيق طلبه . إلا أن الضابط بادره بالكلام ثانية قائلاً : يا حضرة المطران أنت رجل مسالم و مثقف ، حرام قتلك . اسمع نصيحتي و أعلن إسلامك لتخلص . فأجابه المطران و قال : يا حضرة الضابط أني لا أستطيع أن أفعل ذلك أبداً ، أرجو أن تنفذوا أمركم بقتلي ، و لا تحاولوا أن تطلبوا مني ترك ديني و دخول الإسلام . أنا رجل دين لا يمكن أن أفعل هذا أبداً . فقال الضابط : إذاً لا يوجد حل آخر للموضوع . عندها طلب المطران من الضابط أن يسمح له أن يصلي صلاته الأخيرة ، فأذن له بذلك . فأخرج المطران من جيبه كتيباً صغيراً و أخذ يصلي ، و بعد أن انتهى وضع كتيب الصلاة تحت طرف البساط الذي كان جالساً عليه ، ثم قال للضابط : أنا جاهز تفضلوا . و لما لم تفلح محاولات الضابط في حمل المطران على التخلي عن دينه المسيحي و اعتناق الإسلام ، أمر أحد جنوده و قال له : خذه بعيداً إلى تلك الشجرة و أعدمه هناك رمياً بالرصاص ، دون أن تعذبه أبداً ، و إن عذبته فسوف يحل غضبي عليك و أعاقبك . فأخذه العسكري إلى تحت تلك الشجرة ، وبدأ في ضربه وتعذيبه وطعنه بخنجره ، مخالفاً بذلك أوامر قائده ، و من ثم أطلق عليه الرصاص أخيراً فقتله . لقد أقسم كل من عكيد آغا ورسول آغا بأنهم شاهدوا بأم أعينهم مع سائر الآخرين ، نوراً عجيباً نازلاً من السماء و حالاً على جثة المطران ، و قد أخذ الأكراد في قرية طنزي يرددون بالقول : ذلك المسيحي الكافر قد نزلت عليه نار من السماء ، وها هوذا يحترق في كفره . و يكمل عكيد ورسول بالقول : كأننا لم نصدق ما نرى و نشاهد ، فانطلقنا بصحبة الضابط و توجهنا حيث جثة المطران ، و نحن ما زلنا نشاهد مبهورين ذاك النور الغريب نازلاً من السماء بشكل أشعاع متسربلاً جثته . و ما أن بلغنا هناك حتى وجدنا أن النور قد اختفى ، و ليس هنالك أي أثر لنار أو حريق ، كما أدعى الناس . و لما عاينا وضع الجثة وجدناها مطعونة بالخناجر، و آثار التعذيب والتنكيل بادية و واضحة عليها . فأدركنا بأن الجندي المكلف بالمهمة قد عذبه كثيراً قبل قتله . فصاح الضابط بذلك الجندي غاضبا ً: ألم آمرك بقتله رمياً بالرصاص دون أن تعذبه ، و أنت عصيت أوامري ، لذا لن تمتطي صهوة حصانك في عودتنا إلى سعرت ، بل ستسير ماشياً طول مسافة الطريق وراء جوادي عقوبة لك . و يختم عكيد ورسول آغا بالقول : إن الوقت الذي قتل فيه المطران كان صيفاً ، صادف فيه صوم المسيحيين . و كنا قد علمنا بذلك من المسيحيين الموجودين في قريتنا ، أثناء قضائنا عليهم "، و يختم صاحب الشهادة أن الصوم المذكور هو صوم الرسولين بطرس و بولص ، و الذي يبدأ في 26 حزيران و لمدة ثلاثة أيام قبل عيدهما الواقع في 29 حزيران ، و عليه أنه أستشهد في 27 حزيران . مفنداً بذلك ما قاله العديد من المؤرخين أن المطران شير أستشهد في 17 حزيران.
3- شهادة السيد عبدو بزر: في مطرانية حلب الكلدانية وثيقة بخط الأب ( المطران ) صموئيل شوريز تحت عنوان " أضواء جديدة على استشهاد المرحوم المطران أدي شير " مؤرخة في 23/ 3/ 1963م وهي شهادة للمدعو عبدو حنا بزر و هو من تولد ماردين سنة 1891م ، تحدث فيها عن مقتل المطران أدي شير نقلاً عن عثمان آغا الطنزي ، أن السيد عبدو من طائفة الأرمن الكاثوليك قصير القامة يعتمر طربوش ، و كان في مجالسه يتحدث دوماً عما شاهد أو سمع خلال المذابح ، ولا نعلم هل ما كان يملكه من المعلومات قد وثق من قبل طائفته أو أهله ، و قد وجدنا من الضروري ذكر هذه الشهادة ، كون العم عبدو بزر قد سمعها من فم عثمان آغا صديق المطران أدي شير ، و هذا نص الشهادة :" في سنة 1916م ذهبت مع الجيش الألماني إلى قرية طنزي لأجل شراء مستلزمات لأجل صناعة الأكلاك ، و هذه القرية تقع في جبال البوتان بين مدينتي الجزيرة و سعرت ، و هناك التقيت عثمان آغا الذي قص عليّ ما جرى للمطران شير قائلاً : تعود صداقتي الحميمة مع المطران إلى سنة 1913م عندما حكمت عليّ الحكومة العثمانية بالإعدام غيابيا ً، فذهبت إلى سعرت و التقيت المطران شارحاً له قضيتي ، فأستقبلني أحسن استقبال و مضى بي إلى دير البواتري " الآباء الدومنيكان " و خبأني عندهم ، و طلب منهم التوسط لدى القنصل الفرنسي في استنبول للحصول على عفو من الحكومة لي ، و بالفعل نلت العفو بجهودهم . و في سنة 1915م عندما بدأت المذابح بحق المسيحيين علمت أن المطران يعاني الكثير من المضايقات ، فذهبت ليلاً مع ثلاثة من أخوتي إلى سعرت و هربنا المطران و جئنا به إلى قريتنا طنزي التي تبعد مسيرة 6 ساعات سيراً على الأقدام ، ما أن وصلنا القرية حتى سألني المطران عن رعيته في القرية ، فقلت له أنهم بخير و قد صعدوا إلى الجبال مختبئين داخل المغاير ، فطلب مني أن أوصله عندهم ، لكنني قلت له يجب أن أوصلك إلى الموصل حتى تنجو من الموت ، لأن في منطقتي أعداء كثر لي و أخاف أن يعلموا الحكومة بوجودك عندي . فرفض المطران عرضي قائلاً : طالما أن أبنائي هنا فيجب عليّ أكون معهم في هذه المحنة ، و من المستحيل تركهم لأنجو بنفسي . و قد كررت عليه طلبي مراراً ، لكنه رفضه رفضاً قاطعا ً. و عليه أوصلته عند جماعته في الجبل . و بعد ثلاثة أيام طلبت مني الحكومة تسليم المطران المختبئ عندي ، لكنني نكرت وجوده عندي قائلاً أنه هرب هو و جماعته و لا أدري إلى أين اتجهوا . و قد نلت الكثير من الويلات بسبب موقفي هذا ، فهدمت ممتلكاتي و سلبت أموالي . و في هذا الأثناء أرسل رسول محمد آغا و هو من ألذ أعدائي رجاله إلى الجبل للتأكد من مكان المطران و جماعته . و بعد أن عرف رسول آغا مكان وجود المطران ، طلب من الحكومة أن تزوده بالجنود ، فذهب إلى المكان المحدد و احاطه بالجنود و رجاله حتى القوا القبض على المطران . فاقتاد رسول آغا المطران إلى قرية تل ميشار التي تبعد مسيرة ساعة عن قرية طنزي ، و هناك سلمه لضابط تركي . فطلب المطران من الضابط أن يمنحه بعض الوقت ليؤدي صلاة قصيرة ، فسمح له الضابط بذلك . و بعد أن انتهى من صلاته سلمه الضابط لرسول آغا و طلب منه أن يقتله بطلقة نارية دون تعذيب . فاقتاده رسول إلى مغارة صغيرة شمال القرية و قتله هناك . ثم جاء رجال رسول و احرقوا جثة المطران شير . و أضاف عثمان آغا أن رسول آغا قتل كل كلدان قرية تل ميشار و عددهم 200 عائلة واستولى على جميع ممتلكاتهم ، كما قتل كل المسيحيين الذين التجئوا إلى حمايتي . هذا ما نقله العم عبدو بزر عن عثمان آغا طنزي . و يختم شهادته قائلاً : لقد استطعت الذهاب إلى تل ميشار بعد سماعي الحدث من عثمان آغا ، و صعدت إلى مكان مقتل المطران شير و شاهدت المغارة التي قتل فيها ، و هي صغيرة وبالكاد تتسع لثلاثة أشخاص . و لا يزال رسول محمد آغا قاتل المطران حي يرزق ، و قد هجر إلى سوريا و هو يعيش في قرية عين ديوار السورية المطلة على نهر دجلة في المثلث الحدودي السوري التركي العراقي " .
4- شهادة السيد حنا جلو: المدعو حنا جلو ينحدر من قرية ميدن القابعة في طور عبدين . نزح إلى سوريا و انضم إلى الجيش الفرنسي ، و ترقى إلى رتبة كرديموبيل لدى المستشار الفرنسي في منطقة عين ديوار ، و الواقعة في أقصى شمال شرق سوريا ، على المثلث الحدودي بين سوريا و تركيا و العراق عند نهر دجلة . و قد روى ما سمعه من الأخوين عكيد و رسول آغا و هذا نص الشهادة :" وصل إلى عين ديوار أخوان كرديان هما : عكيد آغا و رسول آغا أبناء إسماعيل آغا أحد زعيمي بلدة طنزي الكائنة في جبال البوتان جنوب شرقي تركيا ، و ذلك هرباً من سخط مصطفى كمال أتاتورك الذي أعدم المئات من زعماء الأكراد و آغاواتهم . و قد تعرفت عليهم ، و مع الأيام توطدت العلاقة بيننا . فأخذ يرويان لي عن المجازر التي ارتكبوها بحق المسيحيين المسالمين في طنزي ، و في سياق الحديث ذكروا حادثة قتل المطران أدي شير ، و كيف كانوا السبب المباشر في قتله . و قالا لي : يبدو أن الجريمة الفضيعة التي ارتكبناها بحق المسيحيين الأبرياء المسالمين ، و خاصة بحق المطران أدي شير ، هي التي تلاحقنا الآن . و يبدو أن الله ينتقم منا الآن جزاء ما اقترفناه بحق المسيحيين ، فها أن ضميرنا يؤنبنا و يعذبنا ليل نهار . و أننا هاربون من ملاحقة مصطفى كمال زعيم تركيا ، فقد كنا من زعماء الأكراد الأغنياء في منطقتنا ، نملك الكثير ، نأمر و ننهي كما نشاء . أما اليوم فنحن مهاجرون و هاربون من وجه العدالة ، و مطاردون لا نملك شيئا ً. أما قصة مقتل المطران أدي شير فقد جرت على الشكل التالي : لما بدأت المجازر بحق المسيحيين و تم القضاء على معظمهم ، هرب المطران أدي شير من سعرت ، و توجه إلى قرية طنزي لدى صديقه عثمان آغا ، و لما حل المطران ضيفاً على عثمان آغا ، أراد عثمان الرجل الشهم أن ينقذ المطران من المصير الأسود الذي حل بالمسيحيين . و قد دافع عنه و أنزله في داره ، مزمعاً أن ينقله سراً إلى مدينة الموصل . علماً أن تلك المنطقة كانت قد فرغت كلياً من الوجود المسيحي لأنهم ذبحوا جميعاً . و كانت العداوة شديدة بينه وبين إسماعيل آغا والد عكيد و رسول . و ما أن علموا بوجود الضيف المسيحي لدى عدوهم عثمان آغا ، في وقت كان يجب فيه أن يباد جميع المسيحيين كم نصت الأوامر السلطانية بذلك . و لما لم يكن بمقدور إسماعيل و ولديه مجابهة عدوهم عثمان آغا ، و يطلبوا منه أن يسلمهم ضيفه المسيحي ليقتلوه . فقد أسرع عكيد آغا في التوجه إلى سعرت ، لإعلام السلطات هناك طالباً مساعدتهم . و قد استجابت السلطات له ، و عاد و معه مفرزة من الجيش النظامي بقيادة ضابط . و بوصول الجيش إلى طنزي توجهوا نحو بيت عثمان آغا ، و أخذوا يضربون الرجال و النساء ، يسألونهم عن مخبأ المطران ، و كانت غرفة المطران في أعماق الدار . و ما أن سمع المطران أصوات الجنود القادمين لقتله ، و أصوات و صراخ الرجال و النساء من جراء الضرب و الإهانات الموجه إليهم ، حتى قام لفوره و خرج من غرفته و وقف وجهاً لوجه أمام الجنود قائلاً : أنا هو من تبحثون عنه ، فلا تضربوا هؤلاء الأبرياء . أنني حاضر أمامكم فتفضلوا وافعلوا بي ما يطيب لكم . فألقى الجنود القبض عليه حالاً ، و ساقوه إلى دار رسول و عكيد آغا ، حيث كان الضابط قائد المفرزة في المضافة منتظراً . و كان الضابط مثقفاً ، و بعد محادثة قصيرة بالتركية أخذ يتحدثان بالفرنسية معاً . فقال له الضابط : لدينا أمر صريح بقتلك . فرد عليه المطران : أجل أني أعلم بذلك . فقال له الضابط : اعتنق الإسلام و ستنجو و لن يصيبك مكروه ، بل لن يتجرأ أحد على الامساك بك حينها . فرد عليه المطران و هو يضع يده على لحيته قائلاً : يا حضرة الضابط لا يليق بي أبداً أن أفعل ذلك ، فإذا كان لديك أمر بقتلي فأنا حاضر للموت ، و لا أستطيع أن أتخلى عن ديني و أعتنق الإسلام ، فأهين نفسي و أحتقر ديني ، و أخون جماعتي التي ائتمنتني . فأني مسؤول في طائفتي و ديني ، أرجو أن لا تطلب هذا مني . فقال له الضابط : إذاً استعد للموت . فرد عليه المطران : أنا حاضر يا حضرة الضابط . و لما كان الضابط لطيفاً في كلامه مع المطران ، فقد أراد أن يقدم له هدية تقديرية ، إذ كان يقتني في جيبه ساعة قيمة ، فأخرجها وقدمها للضابط طالباً منه قبولها كهدية . فأخذها الضابط شاكراً . ثم قال له المطران : يا حضرة الضابط لدي طلب ، أريد أن تقتلوني رمياً بالرصاص ، لا أن تعذبوني و تقتلوني بالسيف و الخنجر . فرد عليه الضابط بالإيجاب ، و اعداً بتحقيق طلبه . إلا أن الضابط بادره بالكلام ثانية قائلاً : يا حضرة المطران أنت رجل مسالم و مثقف ، حرام قتلك . اسمع نصيحتي و أعلن إسلامك لتخلص . فأجابه المطران و قال : يا حضرة الضابط أني لا أستطيع أن أفعل ذلك أبداً ، أرجو أن تنفذوا أمركم بقتلي ، و لا تحاولوا أن تطلبوا مني ترك ديني و دخول الإسلام . أنا رجل دين لا يمكن أن أفعل هذا أبداً . فقال الضابط : إذاً لا يوجد حل آخر للموضوع . عندها طلب المطران من الضابط أن يسمح له أن يصلي صلاته الأخيرة ، فأذن له بذلك . فأخرج المطران من جيبه كتيباً صغيراً و أخذ يصلي ، و بعد أن انتهى وضع كتيب الصلاة تحت طرف البساط الذي كان جالساً عليه ، ثم قال للضابط : أنا جاهز تفضلوا . و لما لم تفلح محاولات الضابط في حمل المطران على التخلي عن دينه المسيحي و اعتناق الإسلام ، أمر أحد جنوده و قال له : خذه بعيداً إلى تلك الشجرة و أعدمه هناك رمياً بالرصاص ، دون أن تعذبه أبداً ، و إن عذبته فسوف يحل غضبي عليك و أعاقبك . فأخذه العسكري إلى تحت تلك الشجرة ، وبدأ في ضربه وتعذيبه وطعنه بخنجره ، مخالفاً بذلك أوامر قائده ، و من ثم أطلق عليه الرصاص أخيراً فقتله . لقد أقسم كل من عكيد آغا ورسول آغا بأنهم شاهدوا بأم أعينهم مع سائر الآخرين ، نوراً عجيباً نازلاً من السماء و حالاً على جثة المطران ، و قد أخذ الأكراد في قرية طنزي يرددون بالقول : ذلك المسيحي الكافر قد نزلت عليه نار من السماء ، وها هوذا يحترق في كفره . و يكمل عكيد ورسول بالقول : كأننا لم نصدق ما نرى و نشاهد ، فانطلقنا بصحبة الضابط و توجهنا حيث جثة المطران ، و نحن ما زلنا نشاهد مبهورين ذاك النور الغريب نازلاً من السماء بشكل أشعاع متسربلاً جثته . و ما أن بلغنا هناك حتى وجدنا أن النور قد اختفى ، و ليس هنالك أي أثر لنار أو حريق ، كما أدعى الناس . و لما عاينا وضع الجثة وجدناها مطعونة بالخناجر، و آثار التعذيب والتنكيل بادية و واضحة عليها . فأدركنا بأن الجندي المكلف بالمهمة قد عذبه كثيراً قبل قتله . فصاح الضابط بذلك الجندي غاضبا ً: ألم آمرك بقتله رمياً بالرصاص دون أن تعذبه ، و أنت عصيت أوامري ، لذا لن تمتطي صهوة حصانك في عودتنا إلى سعرت ، بل ستسير ماشياً طول مسافة الطريق وراء جوادي عقوبة لك . و يختم عكيد ورسول آغا بالقول : إن الوقت الذي قتل فيه المطران كان صيفاً ، صادف فيه صوم المسيحيين . و كنا قد علمنا بذلك من المسيحيين الموجودين في قريتنا ، أثناء قضائنا عليهم "، و يختم صاحب الشهادة أن الصوم المذكور هو صوم الرسولين بطرس و بولص ، و الذي يبدأ في 26 حزيران و لمدة ثلاثة أيام قبل عيدهما الواقع في 29 حزيران ، و عليه أنه أستشهد في 27 حزيران . مفنداً بذلك ما قاله العديد من المؤرخين أن المطران شير أستشهد في 17 حزيران.
5- شهادة السيدة حلاته حنا: وهي سيدة كلدانية من سعرت التقى بها الأب جوزيف نعيم في استنبول بعد المذابح ، و قد حدثته عن مقتل المطران أدي شير و العديد من الكهنة: " كنت بين نساء سعرت اللواتي سقن إلى الذبح و عددهن حوالي الألف ، و في الطريق قتل عدد كبير من النساء ، و عند عبورنا نهر خازر رمت بعضهن أطفالهن في مياه النهر من جراء إرهاقهن الشديد ، و ما أن وصلنا إلى قرية بيكند أخذونا إلى المكان الذي قتلوا فيه كلدان القرية لذبحنا هناك . و قد تمكنت من الهروب عن طريق راعي كردي من قرية بيكند كان يتردد إلى بيتنا في سعرت . و بعد أن عدت إلى سعرت عملت طباخة عند حاكم المدينة بيرام فهمي بك . سمعت أن مسلمي المدينة قرروا أن لا يبقى أي مسيحي فيها ، كان دار المطرانية في سعرت قبل مقتل المطران قد أصبح ملجأ لكهنة كنائس القرى هرباً من المذابح الجارية في قراهم ، و ممن أعرفهم هم الآباء: الأب جورج كاهن قرية بركي ، و الأب حنا كاهن قرية صداغ ، و الأبوين موسى و يوسف كاهني قرية كيدوانس ، و الأب ميشيل كاهن دير مار يعقوب ، و الأب يوسف كاهن قرية بيكند ، و الأبوين جرجيس و عازار كاهني قرية قوطميس ، و الأبوين عازر و هرمز كاهني سعرت ، و سكرتير المطران الأب كبرئيل أدمو . جميعهم قتلوا بوحشية . كما وضعت السلطة المطران أدي شير تحت الإقامة الجبرية في دار المطرانية ، بعد أن دفع رشوة لحاكم المدينة قدرها 500 باوند ذهبي بعد أن وعده بإبعاد القبائل الكردية المسلحة عن المدينة . و قد أرسل عثمان آغا الطنزي الرجل الشهم و هو صديق مقرب من المطران خمسة عشر من رجاله الأشداء ، و حضروا إلى دار المطرانية ليلاً و أخرجوا المطران بعد تنكره بلباس كردي ، و ساروا به إلى قرية طنزي في جبال البوتان التي تبعد مسافة ستة ساعات سيراً على الأقدام ، و هناك استقبله أحسن استقبال على أمل أن يسفره إلى الموصل للنجاة من مصير محتوم . و في الصباح و ما أن علمت السلطة بالأمر ، حتى سيرت كتيبة من الجيش . و قبل وصولها إلى القرية أرسلت خبر للآغا تدعوه لتسليم المطران و إلا قتل مع جميع أهل بيته و رجاله ، لكنه رفض طلبهم قطعياً و أخذ عائلته و هرب تاركاً رجاله يحرسون المطران المخابئ في " ديري بسان "، قرب قرية دير شو . و بعد قتال مرير كشفوا المخبأ و ألقوا القبض على المطران ، فعرضوا عليه الإسلام لقاء بقائه حيا ً، لكنه رفض طالباً منهم بضعة دقائق ليصلي فسمح له بذلك ، و بعد أن انتهى من الصلاة أطلقوا النار عليه فاردوه قتيلاً ، و قد شاهدت خاتم المطران في إصبع أحد الضباط خلال تجواله في سعرت . كنت في بعض الأحيان أمر أمام كنيستنا الكبيرة التي حولت إلى إسطبل للحيوانات أشعر بحزن كبير و أجهش بالبكاء ، و قد دنسوا مقبرتنا الكلدانية و قلعوا أحجار القبور و عبثوا بجثث الموتى . أينما أدرت وجهي رأيت مشاهد حية لقسوة المتزمتين ، و كأن الجحيم فتحت أبوابها على أحيائنا الكلدانية . لقد رأيت بعيني كيف جمعوا الأطفال بين سن السادسة و الخامسة عشر ، وأ خذوهم إلى قمة الجبل المعروف رأس الحجر ، و هناك قطعوا رقابهم الواحد تلو الآخر ، و رموا جثثهم في الوديان " .
6- شهادة السيد بطرس حنا: كلداني من مدينة سعرت ، بعد أن هرب إلى ماردين تحدث للمطران إسرائيل أودو عما شاهده وسمعه بالقول: " في 13 حزيران 1915م هجم المجرمين على كلدان قرية مار يعقوب الحبيس ، و من المعلوم أن القرية كانت تضم ديراً شهيراً فيه مكتبة منظمة . فألقي القبض على الرجال ، و بعد أن تحملوا عذابات متنوعة في السجن ، أخرجوهم و قتلوهم جميعا ً، إلا القليل منهم وجدوا طريقة للهرب و نجوا . و ألقي القبض أيضاً على المطران أدي شير ، لكنهم أفرجوا عنه مؤقتاً على أمل أن يسلمهم ما كان يملكه من أموال ، و من ثم يلقوا القبض عليه من جديد ليساق إلى الموت . و قد علم المطران بما يضمرون له من شر . ففي تلك الليلة التي أطلق فيها سراحه ، وجد وسيله للخروج من سعرت بمساعدة بعض المحبين ، و قد رافقه القس يوسف كاهن قرية بيكند و شماسه . و في الصباح علم متصرف سعرت بخبر هروبه ، فأرسل للحال جنوداً ليتعقبوه و يلقوا القبض عليه ، و أبرق لحراس الطرق و الحدود للعمل على القبض عليه قبل أن يعبر حدود إقليم سعرت . و بالفعل ألقي القبض عليه مع رفيقيه ، أما محبيه الذين ساعدوه على الخروج من سعرت فقد تركوه و هربوا ، إذ لم يستطيعوا إنقاذه . و قد تلي عليه حكم الموت الصادر بحقه ، لكن المطران سمع الحكم برباطة جأش و لم يخف أو يقلق ، بل طلب من الجنود فرصة ليصلي استعداداً للموت . فلبس حالاً حلته الأسقفية التي كانت معه ، ثم سجد و صلى و بعد أن انتهى من صلاته ألتفت نحو الجنود و قال لهم بشجاعة : تعالوا و أكملوا وظيفتكم . فحالاً صوبوا بنادقهم نحوه و أطلقوا عليه النار ، فسقط على الأرض صريعاً و دمه ينزف كالنبع . فأقترب أحد الجنود و قطع رأسه و جاء به إلى سعرت و قدمه للمتصرف ليتأكد من قتله . ثم أرسل المتصرف رأس المطران شير ليرمى في باحة كنيسة الكلدان حتى يشاهده النساء و الأولاد المسيحيين ، عله بهذا يخيف الكلدان المتبقيين و هم يشاهدوا ما حل بمطرانهم . شاهد السيد بطرس هذا لأن بيته كان مقابل باب الكنيسة الجديدة للكلدان " كاتدرائية العائلة المقدسة " في حي عين صليب . فكان يرى و يسمع ما كان يجري مع أخيه جرجس و أمهم سيدة ".
7- ما قاله الأخ إياسنت سيمون :" من مواليد شقلاوة التابعة لأبرشية كركوك الكلدانية في الثالث من آذار 1867م . ألتحق بالإكليريكية الكلدانية السريانية للآباء الدومينيكيين بالموصل عام 1879م ، و سيم كاهناً في الخامس عشر من آب 1889م . يعتبر من أول الآباء و أول أسقف أنشأته تلك الإكليريكية . رسم مطراناً في الثلاثين من تشرين الثاني 1902م و انتقل إلى سعرت أبرشيته الجديدة ، تسبقه إليها شهرته كرسول وعالم . و قد ساعد علم رئيس الأساقفة في الشؤون الشرقية ، و تأثيره الشخصي و حظوته لدى السلطات في وضعه في المرتبة الأولى ، هذا بالإضافة إلى أن ما أشيع عن ثروته الهائلة ، جعله في الصف الأول بين الضحايا التي اختارها الموظف التركي . فاستدعي ظهر السادس من حزيران 1915م إلى قسم الشرطة ، و حكي هناك بأمور غامضة ، لكنه تمكن من ترك سعرت في الليلة نفسها متخفياً بزي كردي يرافقه صديقه عثمان آغا . لم يبعد كثيراً و كانت جميع معابر الجبل تحت الحراسة العسكرية . امتطى جواده طيلة الليل . و ما إن بزغ الفجر حتى بقيت أمامه ثماني ساعات لاجتياز حدود أبرشيته ، و الاحتماء في ولاية الموصل . لكنه عندما وصل محلة دير شو التابعة لقائممقامية شرنخ صادفته فرقة من العسكر التركي . فخاطبه الضابط قائلاً : مهلاً أيها الكردي . و بعد أن كشف هوية الهارب النبيل قال : أأنت رئيس أساقفة سعرت . فأجابه المطران قائلاً: أنا هو . ثم دار بينهم الحديث التالي:
الضابط : أوقفك هنا باسم الحكومة.
المطران : حسناً سأتوقف هنا.
الضابط : ستموت هنا باسم الحكومة.
المطران : حسناً سأموت هنا . ثم نزل من على صهوة جواده ، ثم أردف قائلاً للضابط : أترك لي فقط خمس عشرة دقيقة من الحرية.
تصوروا ما كانت عليه تلك الدقائق من الحوار السامي بين روحٍ وباريها في حضور الجلادين ، لقد مرت في سرعة ، و في اللحظة الأخيرة أراد المطران أدي أن يموت كأسقف . فخلع عنه الثياب الزائفة ، و وضع على جسده جبته الحمراء ، و في إصبعه خاتمه الأسقفي ، ثم أمسك الصليب بيده ، و انتصب في فخر قائلاً إلى الجنود: أنا جاهز أستطيع أن أموت . و صرعت رصاصات ثلاث الأسقف الشاب الجليل.
و قد اعترف الجلادون بأنهم ما رأوا أبداً رجلاً يموت بهذا النبل . و شهادة على إعجابهم قاموا بحفر ضريح ، و وضعوا فيه جثة ضحيتهم . الشرف للمطران أدي فقد أكمل سلسلة الأساقفة الكاثوليك الثابتين في إيمانهم حتى الموت " .
8- ما قاله الأب أسحق أرملة :" أما السيد أدي شير النبيل ، فأشار عليه عثمان آغا الدير شوي أن يرحل عن سعرت إلى دير شو . و ما مر عليه أسبوع حتى شعر به علي نقيب الأشراف و القاضي ، فأخرج إليه العسكر . و لما أبصروه و ثبوا عليه و أرادوه على الإسلام فأبى . فصوبوا نحوه البنادق ليقتلوه ، فقال لهم : سألتكم بالله أن تمهلوني برهة . فجثا و صلى ، ثم لبس ثوبه و تقلد صليبه و ركع و قال : لكم الحرية أن تفعلوا ما يعجبكم . فأوغلوا في تعذيبه ، و فتكوا به . و عادوا بأمتعته إلى سعرت ، و سلموها للقاضي و علي نقيب الأشراف . غير أن الله جلت أحكامه انتقم للحال من علي المزبور ، و من ابنه أيضاً ، فقتلا كلاهما شر قتلة . و بعد مقتل المطران تشاغل الأعداء بعد ذلك بتوزيع أموال المسيحيين ، و استحلال أرزاقهم و مساكنهم . فجعلوا كنيسة الكلدان الكبرى جامعاً سموه الجامع الخليلي ، تيمناً بخليل باشا " .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق