Powered By Blogger

الأربعاء، 17 يوليو 2013

دم الإنسان ... سُفن و أساطيل ...



دم الإنسان في رأي بعض العلماء بمثابة بحرٍ زاخرٍ بقطع الأسطول ، فهناك سفن للإمداد ، كريات الدم الحمراء ، و هناك سفن للدفاع تتمتَّع بقدرةٍ على المناورة ، و المراوغة ، والإقتحام ، هي الكريات البيضاء ، وهناك سفن للإنقاذ من الموت المحقق ، هي الصفائح الدموية ، وهناك سفن تحمل المواد الغذائية - السكر - وهناك سفن تحمل المواد المرممة - البروتين - وهناك سفن تحمل الفضلات - حمض البول - ، و  - حمض اللبن - .
فالدم بحرٌ زاخر فيه سفن إمداد ، وسفن دفاع ، وسفن إنقاذ ، وسفن تحمل المواد الغذائية ، وسفن تحمل الفضلات ، وكلُّ هذه السفن تتحرَّك بحريةٍ دون أن تصطدم ، ودون أن تغرق ، ودون أن يصيبها عطب ، من منا يصدِّق أيها الإخوة أن في دم الإنسان كما قال العلماء : خمسة وعشرين ترليون ، أي خمسة وعشرين ألف ألف مليون ، أي خمسة وعشرين أمامها إثني عشر صفراً - كرية حمراء - ، تتمتع هذه الكرية لها خصائص لا يصدِّقها العقل ، بإمكانها أن تمر في ممر ضيّق هو عشر حجمها بمرونةٍ فائقة ، و نقي العظام يُصنِّع في كلِّ ثانيةٍ واحدة ، إثنان ونصف مليون كرية في كل ثانية ، ويموت في كل ثانية مثل هذا العدد .
فإذا ماتت هذه الكريات ذهبت إلى مقبرةٍ جماعيّة اسمها الطحال ، ففي الطحال تحلل هذه الكريات الميِّتة إلى حديد و إلى هيموغلوبين ، يذهب الهيموغلوبين إلى الكبد ليكون الصفراء ، ويذهب الحديد ثانيةً إلى نقي العظام ليعاد تصنيعه مرةً ثانية ، وهذه نظرةٌ إقتصادية .
وفي الإنسان خمسة وعشرين ألف مليون كريّة بيضاء ، هي بمثابة جيش الدفاع ، ومرض الإيدز - نقص المناعة المكتسبة - هو قاتل لهذه الكريات البيضاء ، عندئذٍ يموت الإنسان لأقلِّ إصابةٍ جرثوميّة .
جهاز الدفاع يمثِّل جيشاً بكل معاني هذه الكلمة ، قسم إستطلاع يستطلع العدو ، وأسلحته ، وخصائصه ، وقسم يصنِّع الأسلحة ، وقسم يحارب ، هذا جهاز الدفاع - خمسة وعشرين ألف مليون كرية بيضاء - ، و خمسة وعشرين ترليون ، أي خمسة وعشرين ألف ألف مليون كرية حمراء ، و ترليون واحد صفيحات دموية .
هذه الصفيحات لولاها لنزف دم الإنسان من جرحٍ بسيط ، و المكان الذي فيه جرح تتوجّه هذه الصفيحات و تتلاحم و تغلقه ، و تنقذ الإنسان من الموت نزفاً .

بعض الاشياء المهمة عن شهيدنا المطران ادي شير :



لقد عاش المطران حوالي 45 سنة ، ففي تلك السنين التي عاشها أتحفنا بكتبه الرائعة و باللغات العديدة ، بسبب ثقافته الواسعة و حكمته الكبيرة ، كما ترك لنا رسائل عديدة تشرح لنا ما كان يفعله نذكر منها رسالة كتبها لأخيه القس بطرس شير مؤرخة في أيلول 1910م  يقول فيها :"أخي العزيز القس بطرس شير المحترم . السلام بالرب مع القبلة الأخوية . منذ مدة لم أكتب لك ، و سبب ذلك هو أنني لم أكن في سعرت . بل كنت أتفقد الأبرشية التي فيها ثلاثة و ثلاثون قرية . منها بعيدة المسافة من يوم واحد إلى أربعة أيام سيراً على الأقدام ، و منها أقرب.  تسلقت الجبال العالية ، و كان فرح أهل القرى عظيماً ، لأنهم كانوا لأول مرة يشاهدون أسقفاً يزورهم . قرى طيبة و لكن شقلاوة أطيب منها . قضيت ثمان و ثلاثين يوماً في جولتي هذه".
و في رسالة ثانية مؤرخة في تموز 1911م  يقول فيها :" إلى عزيز نفسي القس بطرس حنا شير المحترم مع القبلة الأخوية . من زمن لم أكتب لك لأني مشغول جداً . أنا مضطر أن أذهب يومياً للحضور في المجالس الحكومية بسبب قضاء أشغال أبناء الأبرشية الكلدانية . و إضافة إلى ذلك متابعة احتياجات المهاجرين الأرمن و اليعاقبة ".  
أمام مضمون هاتين الرسالتين نقف بإجلال و إكبار أمام حيوية و نشاط هذا الحبر النبيل ، من خلال ما كان يبذله من جهود مضنية ، لتفقد أحوال أبناء الأبرشية في القرى القابعة في الجبال العالية و البعيدة ، في زمنٍ كان يفتقد إلى وسائل النقل المتوفرة اليوم . فكل الزيارات كانت تتم على ظهر الخيل إذا كان الطريق سهلاً ، أو سيراً على الأقدام إذا كان الطريق وعراً.  ناهيك عن المراجعات اليومية لدوائر الدولة لمساعدة أبناء الأبرشية في سلطنة تفتقر إلى القانون ، و شعبٍ يعبث بحقوق المسيحيين المسالمين . و لم تتوقف جهوده عند مساعدة أبناء أبرشيته فقط ، بل شملت المسيحيين المظلومين و المعذبين من جميع الطوائف.
لا يسعنا القول الا المجد و الخلود لشهداء امتنا القومية و المسيحية .

شهادات عن قصة استشهاد الحبر الجليل (ادي شير) :



كتب العديد من المؤرخين عن استشهاد مار أدي شير، وقد استقصوا معلوماتهم عن هذا الحدث المفزع من خلال ما سمعوه من أشخاص كانوا شهود عيان لما جرى بحق هذا الشهيد ، كانوا قد التقوا بهم بعد هدوء العاصفة ، و مع وجود اختلاف في بعض النقاط بين شهادة و اخرى ، لكن المضمون يبقى واحد ، نذكر منها الشهادات التالية:

1- شهادة الأب بولس بيرو: " قبل ان تُسافر القافلة الأولى أوقف مار أدي شير، وعُهد أمر حراسته إلى أحد أفراد شرطة سعرت ، المدعو نور الله بن مولود ، و بقي سيادته مسجوناً في قبو المركز الحكومي ، وهناك لقي أصناف الإهانات ، وعانى من الحرمان وجرد من ماله ومن مال الكنيسة ، بعد أن هددوه بالقتل ، حاول إنقاذه أحد آغوات طنزي المدعو عثمان آغا ، رداً منه على المعروف الذي أسداه نحوه وعلى الخدمات الجليلة التي قدمها له في مناسبات عدة ، بالأخص لقاء ما أبداه سيادته من عطف نحو عائلة بدر خان أمير أكراد بوتان ، فما أن بلغ عثمان نبأ توقيف المطران أدي شير ، حتى بادر إلى إنقاذه في الحال مخاطراً بحياته ، فأرسل إلى سعرت 15 من رجاله الشجعان مدججين بالسلاح ، فتوجهوا إلى منزل نور الله وانذروه وهددوه بأسم الآغا عثمان ، و إن لم يسلم إليهم المطران أدي شير سالماً معافى ، سينهبون قطعانه ويحرقون مزارعه ، فرضخ للأمر الواقع ، وفضل أن يسلم لهم المطران من أن يخسر قطعانه وزرعه لذا سلمه لهم ، فهربوا به متسترين تحت جنح الليل ، حتى بلغوا به قرية طنزي مقر إقامة الآغا عثمان ، الواقعة على بعد ست ساعات سيراً على الأقدام من سعرت ، و هناك رحب به الآغا أحر ترحيب ، إلا أن الشرطي نور الدين الموكول على حراسة المطران ، تعرض إلى سخط رؤوسائه وعقابهم ، رغم محاولته تبرئة ذاته بتبرير موقفه ، و في تزاحم تلك الأحداث اضطر عثمان آغا هو ورجاله إلى مغادرة القرية لرد هجوم قام به أعداؤه على ممتلكاته ، ولحرصه الشديد على حياة المطران خبأه بكهف في هضبة " ديري بسان " . إلا أن محمد أفندي أخ النائب عبد الرزاق ، ذلك المشهود له بحقده على المسيحيين وتعطشه إلى دمائهم ، أبلغ السلطات بهرب المطران واختفائه ، فكلف الملازم الأول حمدي أفندي بقيادة كتيبة من الخيالة، ليتعقب أثار المطران الهارب. وفي ديري بسان اشتبك رجال الأمن العثماني مع حراس المطران ، في معركة غير متكافئة لم يصمدوا فيها طويلاً أمام عدد وعدة المهاجمين ، إذ حين نفذت ذخيرة الحراس لاذوا بالفرار تاركين المطران لقدره ، فريسة بين أيدي مجرمين خلت قلوبهم من المشاعر الإنسانية ، وحالما وجدوه أطلقوا عليه وابلاً من نيران بنادقهم فأردوه قتيلاً مضرجاً بدمائه ، وهكذا فارق الحياة هذا المؤرخ الكبير والحبر الأثيل ، الذي أدى خدمات جليلة لأمته والإنسانية ، وتحية إجلال للأكراد هؤلاء وإن كان فيهم عيب إلا أنهم في هذا الموقف أبدوا شهامة ونبلاً ، إذ عملوا جهدهم لحماية هذا الرجل العظيم ، و لكن ما حيلتهم أمام العثمانيين المتفوقين عليهم عدداً وعدة ، والمتفوقين أكثر في بربريتهم وهمجيتهم ، إذ لم يتألموا من قتل رجل من هذا الطراز الفريد ، عزاؤنا أنه نال إكليل الشهادة ، و يتمتع الآن بالسعادة الأبدية في الأخدار السماوية ".

2- شهادة الخوري أسقف فيليبس شوريز: " لقد ألقي القبض على سيادة المطران أدي شير أواخر شهر أيار سنة 1915، و بعد أن دفع دية قدرها 500 ليرة عثمانية إلى المتصرف ، لم يودع السجن إنما بقي تحت الإقامة الجبرية في دار المطرانية ، تحت رقابة صديق بدر الدين مدير الشرطة ، و في إحدى الليالي أرسل عثمان آغا رجاله إلى دار المطرانية ، وأنقذوا المطران بعد أن دلوه من فوق سور البناية متنكراً بزي كردي ، وتوجهوا وإياه إلى منطقة البوتان ، حيث التحق به وجهاء قرى صدخ و قطمس و حديد و مار كوريال ، و احتموا بقرية طنزي اليزيدية الواقعة إلى شمال بلق ، إلا أن حكومة سعرت سرعان ما عرفت بهرب المطران فلاحقته و اكتشفت موقع اختبائه ، فأرسلت في أثره مفارز من الدرك ، فحاصروا القرية و احرقوها و قتلوا سكانها اليزيد و المسيحيين على حد سواء ، و غافلهم المطران فهرب إلى الجبل محتمياً بعثمان آغا ، و تحين فرصة ليتسلل إلى طريق جبلي متعرج ، لعله يواصل سيره إلى الموصل برفقة شلة من رجال الآغا المسلحين ، إلا أن الدرك هددوا الآغا بالقتل إن لم يدلهم على الطريق الذي سلكها المطران الهارب ، فدلهم و لحق به الدرك المدججون بسلاحهم ، و على سفح الجبل أدرك الحرس و المطران و فتحوا عليهم النار ، و جرت مقابلة حامية الوطيس بين الطرفين ، و عند نفاد ذخيرة حراس سيادته ، و لوا الأدبار و تركوا المطران بيد الدرك ، الذين ألقوا القبض عليه و قادوه إلى رئيسهم ، الذي أمر برميه بالرصاص ، فرجاهم المطران أن يمهلوه قليلاً ريثما يتهيأ للموت ، عندئذ خلع لباسه الكردي وارتدى ثوبه الأسقفي ثم جثا على ركبتيه مصلياً ، و بعد مضي عشر دقائق هب واقفاً ليقول لأولئك الرجال المصوبين إليه بنادقهم : ها أنا ذا مستعد للموت . و للحال أطلقت عليه خمس رصاصات اخترقت صدره ، و هوى على أثرها صريعاً مضرجاً بدمائه الزكية ، لتصعد روحه الطاهرة إلى باريها متوجة بإكليل الشهادة ، و هذه الرواية قصها أحد الرجال الخمسة الذين أطلقوا النار على المطران أدي شير ، بينما كان في حراسة مدير بنك الحكومة العثمانية و هو في طريقه إلى الموصل ، ليلتحق هناك بمنصبه الجديد ، وقد نقل عن المطران أدي شير قوله :" أن الإمبراطورية العثمانية لن يطول حكمها أكثر من خمس سنين ، و لعلها نبؤة ، و قد تحققت فعلاً ".

3- شهادة السيد عبدو بزر: في مطرانية حلب الكلدانية وثيقة بخط الأب ( المطران ) صموئيل شوريز تحت عنوان " أضواء جديدة على استشهاد المرحوم المطران أدي شير " مؤرخة في 23/ 3/ 1963م وهي شهادة للمدعو عبدو حنا بزر و هو من تولد ماردين سنة 1891م ، تحدث فيها عن مقتل المطران أدي شير نقلاً عن عثمان آغا الطنزي ، أن السيد عبدو من طائفة الأرمن الكاثوليك قصير القامة يعتمر طربوش ، و كان في مجالسه يتحدث دوماً عما شاهد أو سمع خلال المذابح ، ولا نعلم هل ما كان يملكه من المعلومات قد وثق من قبل طائفته أو أهله ، و قد وجدنا من الضروري ذكر هذه الشهادة ، كون العم عبدو بزر قد سمعها من فم عثمان آغا صديق المطران أدي شير ، و هذا نص الشهادة :" في سنة 1916م ذهبت مع الجيش الألماني إلى قرية طنزي لأجل شراء مستلزمات لأجل صناعة الأكلاك ، و هذه القرية تقع في جبال البوتان بين مدينتي الجزيرة و سعرت ، و هناك التقيت عثمان آغا الذي قص عليّ ما جرى للمطران شير قائلاً : تعود صداقتي الحميمة مع المطران إلى سنة 1913م عندما حكمت عليّ الحكومة العثمانية بالإعدام غيابيا ً، فذهبت إلى سعرت و التقيت المطران شارحاً له قضيتي ، فأستقبلني أحسن استقبال و مضى بي إلى دير البواتري " الآباء الدومنيكان " و خبأني عندهم ، و طلب منهم التوسط لدى القنصل الفرنسي في استنبول للحصول على عفو من الحكومة لي ، و بالفعل نلت العفو بجهودهم . و في سنة 1915م عندما بدأت المذابح بحق المسيحيين علمت أن المطران يعاني الكثير من المضايقات ، فذهبت ليلاً مع ثلاثة من أخوتي إلى سعرت و هربنا المطران و جئنا به إلى قريتنا طنزي التي تبعد مسيرة 6 ساعات سيراً على الأقدام ، ما أن وصلنا القرية حتى سألني المطران عن رعيته في القرية ، فقلت له أنهم بخير و قد صعدوا إلى الجبال مختبئين داخل المغاير ، فطلب مني أن أوصله عندهم ، لكنني قلت له يجب أن أوصلك إلى الموصل حتى تنجو من الموت ، لأن في منطقتي أعداء كثر لي و أخاف أن يعلموا الحكومة بوجودك عندي . فرفض المطران عرضي قائلاً : طالما أن أبنائي هنا فيجب عليّ أكون معهم في هذه المحنة ، و من المستحيل تركهم لأنجو بنفسي . و قد كررت عليه طلبي مراراً ، لكنه رفضه رفضاً قاطعا ً. و عليه أوصلته عند جماعته في الجبل .  و بعد ثلاثة أيام طلبت مني الحكومة تسليم المطران المختبئ عندي ، لكنني نكرت وجوده عندي قائلاً أنه هرب هو و جماعته و لا أدري إلى أين اتجهوا . و قد نلت الكثير من الويلات بسبب موقفي هذا ، فهدمت ممتلكاتي و سلبت أموالي . و في هذا الأثناء أرسل رسول محمد آغا و هو من ألذ أعدائي رجاله إلى الجبل للتأكد من مكان المطران و جماعته . و بعد أن عرف رسول آغا مكان وجود المطران ، طلب من الحكومة أن تزوده بالجنود ، فذهب إلى المكان المحدد و احاطه بالجنود و رجاله حتى القوا القبض على المطران . فاقتاد رسول آغا المطران إلى قرية تل ميشار التي تبعد مسيرة ساعة عن قرية طنزي ، و هناك سلمه لضابط تركي . فطلب المطران من الضابط أن يمنحه بعض الوقت ليؤدي صلاة قصيرة ، فسمح له الضابط بذلك . و بعد أن انتهى من صلاته سلمه الضابط لرسول آغا و طلب منه أن يقتله بطلقة نارية دون تعذيب . فاقتاده رسول إلى مغارة صغيرة شمال القرية و قتله هناك . ثم جاء رجال رسول و احرقوا جثة المطران شير . و أضاف عثمان آغا أن رسول آغا قتل كل كلدان قرية تل ميشار و عددهم 200 عائلة واستولى على جميع ممتلكاتهم ، كما قتل كل المسيحيين الذين التجئوا إلى حمايتي . هذا ما نقله العم عبدو بزر عن عثمان آغا طنزي . و يختم شهادته قائلاً : لقد استطعت الذهاب إلى تل ميشار بعد سماعي الحدث من عثمان آغا ، و صعدت إلى مكان مقتل المطران شير و شاهدت المغارة التي قتل فيها ، و هي صغيرة وبالكاد تتسع لثلاثة أشخاص . و لا يزال رسول محمد آغا قاتل المطران حي يرزق ، و قد هجر إلى سوريا و هو يعيش في قرية عين ديوار السورية المطلة على نهر دجلة في المثلث الحدودي السوري التركي العراقي " .

4- شهادة السيد حنا جلو: المدعو حنا جلو ينحدر من قرية ميدن القابعة في طور عبدين . نزح إلى سوريا و انضم إلى الجيش الفرنسي ، و ترقى إلى رتبة كرديموبيل لدى المستشار الفرنسي في منطقة عين ديوار ، و الواقعة في أقصى شمال شرق سوريا ، على المثلث الحدودي بين سوريا و تركيا و العراق عند نهر دجلة . و قد روى ما سمعه من الأخوين عكيد و رسول آغا و هذا نص الشهادة :" وصل إلى عين ديوار أخوان كرديان هما : عكيد آغا و رسول آغا أبناء إسماعيل آغا أحد زعيمي بلدة طنزي الكائنة في جبال البوتان جنوب شرقي تركيا ، و ذلك هرباً من سخط مصطفى كمال أتاتورك الذي أعدم المئات من زعماء الأكراد و آغاواتهم . و قد تعرفت عليهم ، و مع الأيام توطدت العلاقة بيننا . فأخذ يرويان لي عن المجازر التي ارتكبوها بحق المسيحيين المسالمين في طنزي ، و في سياق الحديث ذكروا حادثة قتل المطران أدي شير ، و كيف كانوا السبب المباشر في قتله . و قالا لي : يبدو أن الجريمة الفضيعة التي ارتكبناها بحق المسيحيين الأبرياء المسالمين ، و خاصة بحق المطران أدي شير ، هي التي تلاحقنا الآن . و يبدو أن الله ينتقم منا الآن جزاء ما اقترفناه بحق المسيحيين ، فها أن ضميرنا يؤنبنا و يعذبنا ليل نهار . و أننا هاربون من ملاحقة مصطفى كمال زعيم تركيا ، فقد كنا من زعماء الأكراد الأغنياء في منطقتنا ، نملك الكثير ، نأمر و ننهي كما نشاء . أما اليوم فنحن مهاجرون و هاربون من وجه العدالة ، و مطاردون لا نملك شيئا ً. أما قصة مقتل المطران أدي شير فقد جرت على الشكل التالي : لما بدأت المجازر بحق المسيحيين و تم القضاء على معظمهم ، هرب المطران أدي شير من سعرت ، و توجه إلى قرية طنزي لدى صديقه عثمان آغا ، و لما حل المطران ضيفاً على عثمان آغا ، أراد عثمان الرجل الشهم أن ينقذ المطران من المصير الأسود الذي حل بالمسيحيين . و قد دافع عنه و أنزله في داره ، مزمعاً أن ينقله سراً إلى مدينة الموصل . علماً أن تلك المنطقة كانت قد فرغت كلياً من الوجود المسيحي لأنهم ذبحوا جميعاً . و كانت العداوة شديدة بينه وبين إسماعيل آغا والد عكيد و رسول . و ما أن علموا بوجود الضيف المسيحي لدى عدوهم عثمان آغا ، في وقت كان يجب فيه أن يباد جميع المسيحيين كم نصت الأوامر السلطانية بذلك . و لما لم يكن بمقدور إسماعيل و ولديه مجابهة عدوهم عثمان آغا ، و يطلبوا منه أن يسلمهم ضيفه المسيحي ليقتلوه . فقد أسرع عكيد آغا في التوجه إلى سعرت ، لإعلام السلطات هناك طالباً مساعدتهم . و قد استجابت السلطات له ، و عاد و معه مفرزة من الجيش النظامي بقيادة ضابط . و بوصول الجيش إلى طنزي توجهوا نحو بيت عثمان آغا ، و أخذوا يضربون الرجال و النساء ، يسألونهم عن مخبأ المطران ، و كانت غرفة المطران في أعماق الدار . و ما أن سمع المطران أصوات الجنود القادمين لقتله ، و أصوات و صراخ الرجال و النساء من جراء الضرب و الإهانات الموجه إليهم ، حتى قام لفوره و خرج من غرفته و وقف وجهاً لوجه أمام الجنود قائلاً : أنا هو من تبحثون عنه ، فلا تضربوا هؤلاء الأبرياء . أنني حاضر أمامكم فتفضلوا وافعلوا بي ما يطيب لكم . فألقى الجنود القبض عليه حالاً ، و ساقوه إلى دار رسول و عكيد آغا ، حيث كان الضابط قائد المفرزة في المضافة منتظراً . و كان الضابط مثقفاً ، و بعد محادثة قصيرة بالتركية أخذ يتحدثان بالفرنسية معاً . فقال له الضابط : لدينا أمر صريح بقتلك . فرد عليه المطران : أجل أني أعلم بذلك . فقال له الضابط : اعتنق الإسلام و ستنجو و لن يصيبك مكروه ، بل لن يتجرأ أحد على الامساك بك حينها . فرد عليه المطران و هو يضع يده على لحيته قائلاً : يا حضرة الضابط لا يليق بي أبداً أن أفعل ذلك ، فإذا كان لديك أمر بقتلي فأنا حاضر للموت ، و لا أستطيع أن أتخلى عن ديني و أعتنق الإسلام ، فأهين نفسي و أحتقر ديني ، و أخون جماعتي التي ائتمنتني . فأني مسؤول في طائفتي و ديني ، أرجو أن لا تطلب هذا مني . فقال له الضابط : إذاً استعد للموت . فرد عليه المطران : أنا حاضر يا حضرة الضابط . و لما كان الضابط لطيفاً في كلامه مع المطران ، فقد أراد أن يقدم له هدية تقديرية ، إذ كان يقتني في جيبه ساعة قيمة ، فأخرجها وقدمها للضابط طالباً منه قبولها كهدية . فأخذها الضابط شاكراً . ثم قال له المطران : يا حضرة الضابط لدي طلب ، أريد أن تقتلوني رمياً بالرصاص ، لا أن تعذبوني و تقتلوني بالسيف و الخنجر . فرد عليه الضابط بالإيجاب ، و اعداً بتحقيق طلبه . إلا أن الضابط بادره بالكلام ثانية قائلاً : يا حضرة المطران أنت رجل مسالم و مثقف ، حرام قتلك . اسمع نصيحتي و أعلن إسلامك لتخلص . فأجابه المطران و قال : يا حضرة الضابط أني لا أستطيع أن أفعل ذلك أبداً ، أرجو أن تنفذوا أمركم بقتلي ، و لا تحاولوا أن تطلبوا مني ترك ديني و دخول الإسلام . أنا رجل دين لا يمكن أن أفعل هذا أبداً . فقال الضابط : إذاً لا يوجد حل آخر للموضوع . عندها طلب المطران من الضابط أن يسمح له أن يصلي صلاته الأخيرة ، فأذن له بذلك . فأخرج المطران من جيبه كتيباً صغيراً و أخذ يصلي ، و بعد أن انتهى وضع كتيب الصلاة تحت طرف البساط الذي كان جالساً عليه ، ثم قال للضابط : أنا جاهز تفضلوا . و لما لم تفلح محاولات الضابط في حمل المطران على التخلي عن دينه المسيحي و اعتناق الإسلام ، أمر أحد جنوده و قال له : خذه بعيداً إلى تلك الشجرة و أعدمه هناك رمياً بالرصاص ، دون أن تعذبه أبداً ، و إن عذبته فسوف يحل غضبي عليك و أعاقبك . فأخذه العسكري إلى تحت تلك الشجرة ، وبدأ في ضربه وتعذيبه وطعنه بخنجره ، مخالفاً بذلك أوامر قائده ، و من ثم أطلق عليه الرصاص أخيراً فقتله . لقد أقسم كل من عكيد آغا ورسول آغا بأنهم شاهدوا بأم أعينهم مع سائر الآخرين ، نوراً عجيباً نازلاً من السماء و حالاً على جثة المطران ، و قد أخذ الأكراد في قرية طنزي يرددون بالقول : ذلك المسيحي الكافر قد نزلت عليه نار من السماء ، وها هوذا يحترق في كفره . و يكمل عكيد ورسول بالقول : كأننا لم نصدق ما نرى و نشاهد ، فانطلقنا بصحبة الضابط و توجهنا حيث جثة المطران ، و نحن ما زلنا نشاهد مبهورين ذاك النور الغريب نازلاً من السماء بشكل أشعاع متسربلاً جثته . و ما أن بلغنا هناك حتى وجدنا أن النور قد اختفى ، و ليس هنالك أي أثر لنار أو حريق ، كما أدعى الناس . و لما عاينا وضع الجثة وجدناها مطعونة بالخناجر، و آثار التعذيب والتنكيل بادية و واضحة عليها . فأدركنا بأن الجندي المكلف بالمهمة قد عذبه كثيراً قبل قتله . فصاح الضابط بذلك الجندي غاضبا ً: ألم آمرك بقتله رمياً بالرصاص دون أن تعذبه ، و أنت عصيت أوامري ، لذا لن تمتطي صهوة حصانك في عودتنا إلى سعرت ، بل ستسير ماشياً طول مسافة الطريق وراء جوادي عقوبة لك . و يختم عكيد ورسول آغا بالقول : إن الوقت الذي قتل فيه المطران كان صيفاً ، صادف فيه صوم المسيحيين . و كنا قد علمنا بذلك من المسيحيين الموجودين في قريتنا ، أثناء قضائنا عليهم "، و يختم صاحب الشهادة أن الصوم المذكور هو صوم الرسولين بطرس و بولص ، و الذي يبدأ في 26 حزيران و لمدة ثلاثة أيام قبل عيدهما الواقع في 29 حزيران ، و عليه أنه أستشهد في 27 حزيران . مفنداً بذلك ما قاله العديد من المؤرخين أن المطران شير أستشهد في 17 حزيران.

5- شهادة السيدة حلاته حنا: وهي سيدة كلدانية من سعرت التقى بها الأب جوزيف نعيم في استنبول بعد المذابح ، و قد حدثته عن مقتل المطران أدي شير و العديد من الكهنة: " كنت بين نساء سعرت اللواتي سقن إلى الذبح و عددهن حوالي الألف ، و في الطريق قتل عدد كبير من النساء ، و عند عبورنا نهر خازر رمت بعضهن أطفالهن في مياه النهر من جراء إرهاقهن الشديد ، و ما أن وصلنا إلى قرية بيكند أخذونا إلى المكان الذي قتلوا فيه كلدان القرية لذبحنا هناك . و قد تمكنت من الهروب عن طريق راعي كردي من قرية بيكند كان يتردد إلى بيتنا في سعرت . و بعد أن عدت إلى سعرت عملت طباخة عند حاكم المدينة بيرام فهمي بك . سمعت أن مسلمي المدينة قرروا أن لا يبقى أي مسيحي فيها ، كان دار المطرانية في سعرت قبل مقتل المطران قد أصبح ملجأ لكهنة كنائس القرى هرباً من المذابح الجارية في قراهم ، و ممن أعرفهم هم الآباء: الأب جورج كاهن قرية بركي ، و الأب حنا كاهن قرية صداغ ، و الأبوين موسى و يوسف كاهني قرية كيدوانس ، و الأب ميشيل كاهن دير مار يعقوب ، و الأب يوسف كاهن قرية بيكند ، و الأبوين جرجيس و عازار كاهني قرية قوطميس ، و الأبوين عازر و هرمز كاهني سعرت ، و سكرتير المطران الأب كبرئيل أدمو . جميعهم قتلوا بوحشية . كما وضعت السلطة المطران أدي شير تحت الإقامة الجبرية في دار المطرانية ، بعد أن دفع رشوة لحاكم المدينة قدرها 500 باوند ذهبي بعد أن وعده بإبعاد القبائل الكردية المسلحة عن المدينة . و قد أرسل عثمان آغا الطنزي الرجل الشهم و هو صديق مقرب من المطران خمسة عشر من رجاله الأشداء ، و حضروا إلى دار المطرانية ليلاً و أخرجوا المطران بعد تنكره بلباس كردي ، و ساروا به إلى قرية طنزي في جبال البوتان التي تبعد مسافة ستة ساعات سيراً على الأقدام ، و هناك استقبله أحسن استقبال على أمل أن يسفره إلى الموصل للنجاة من مصير محتوم . و في الصباح و ما أن علمت السلطة بالأمر ، حتى سيرت كتيبة من الجيش . و قبل وصولها إلى القرية أرسلت خبر للآغا تدعوه لتسليم المطران و إلا قتل مع جميع أهل بيته و رجاله ، لكنه رفض طلبهم قطعياً و أخذ عائلته و هرب تاركاً رجاله يحرسون المطران المخابئ في " ديري بسان "، قرب قرية دير شو . و بعد قتال مرير كشفوا المخبأ و ألقوا القبض على المطران ، فعرضوا عليه الإسلام لقاء بقائه حيا ً، لكنه رفض طالباً منهم بضعة دقائق ليصلي فسمح له بذلك ، و بعد أن انتهى من الصلاة أطلقوا النار عليه فاردوه قتيلاً ، و قد شاهدت خاتم المطران في إصبع أحد الضباط خلال تجواله في سعرت . كنت في بعض الأحيان أمر أمام كنيستنا الكبيرة التي حولت إلى إسطبل للحيوانات أشعر بحزن كبير و أجهش بالبكاء ، و قد دنسوا مقبرتنا الكلدانية و قلعوا أحجار القبور و عبثوا بجثث الموتى . أينما أدرت وجهي رأيت مشاهد حية لقسوة المتزمتين ، و كأن الجحيم فتحت أبوابها على أحيائنا الكلدانية . لقد رأيت بعيني كيف جمعوا الأطفال بين سن السادسة و الخامسة عشر ، وأ خذوهم إلى قمة الجبل المعروف رأس الحجر ، و هناك قطعوا رقابهم الواحد تلو الآخر ، و رموا جثثهم في الوديان " .

6- شهادة السيد بطرس حنا: كلداني من مدينة سعرت ، بعد أن هرب إلى ماردين تحدث للمطران إسرائيل أودو عما شاهده  وسمعه بالقول: " في 13 حزيران 1915م هجم المجرمين على كلدان قرية مار يعقوب الحبيس ، و من المعلوم أن القرية كانت تضم ديراً شهيراً فيه مكتبة منظمة . فألقي القبض على الرجال ، و بعد أن تحملوا عذابات متنوعة في السجن ، أخرجوهم و قتلوهم جميعا ً، إلا القليل منهم وجدوا طريقة للهرب و نجوا . و ألقي القبض أيضاً على المطران أدي شير ، لكنهم أفرجوا عنه مؤقتاً على أمل أن يسلمهم ما كان يملكه من أموال ، و من ثم يلقوا القبض عليه من جديد ليساق إلى الموت . و قد علم المطران بما يضمرون له من شر . ففي تلك الليلة التي أطلق فيها سراحه ، وجد وسيله للخروج من سعرت بمساعدة بعض المحبين ، و قد رافقه القس يوسف كاهن قرية بيكند و شماسه . و في الصباح علم متصرف سعرت بخبر هروبه ، فأرسل للحال جنوداً ليتعقبوه و يلقوا القبض عليه ، و أبرق لحراس الطرق و الحدود للعمل على القبض عليه قبل أن يعبر حدود إقليم سعرت . و بالفعل ألقي القبض عليه مع رفيقيه ، أما محبيه الذين ساعدوه على الخروج من سعرت فقد تركوه و هربوا ، إذ لم يستطيعوا إنقاذه . و قد تلي عليه حكم الموت الصادر بحقه ، لكن المطران سمع الحكم برباطة جأش و لم يخف أو يقلق ، بل طلب من الجنود فرصة ليصلي استعداداً للموت . فلبس حالاً حلته الأسقفية التي كانت معه ، ثم سجد و صلى و بعد أن انتهى من صلاته ألتفت نحو الجنود و قال لهم بشجاعة : تعالوا و أكملوا وظيفتكم . فحالاً صوبوا بنادقهم نحوه و أطلقوا عليه النار ، فسقط على الأرض صريعاً و دمه ينزف كالنبع . فأقترب أحد الجنود و قطع رأسه و جاء به إلى سعرت و قدمه للمتصرف ليتأكد من قتله . ثم أرسل المتصرف رأس المطران شير ليرمى في باحة كنيسة الكلدان حتى يشاهده النساء و الأولاد المسيحيين ، عله بهذا يخيف الكلدان المتبقيين و هم يشاهدوا ما حل بمطرانهم . شاهد السيد بطرس هذا لأن بيته كان مقابل باب الكنيسة الجديدة للكلدان " كاتدرائية العائلة المقدسة " في حي عين صليب . فكان يرى و يسمع ما كان يجري مع أخيه جرجس و أمهم سيدة ".

7- ما قاله الأخ إياسنت سيمون :" من مواليد شقلاوة التابعة لأبرشية كركوك الكلدانية في الثالث من آذار 1867م . ألتحق بالإكليريكية الكلدانية السريانية للآباء الدومينيكيين بالموصل عام 1879م ، و سيم كاهناً في الخامس عشر من آب 1889م . يعتبر من أول الآباء و أول أسقف أنشأته تلك الإكليريكية . رسم مطراناً في الثلاثين من تشرين الثاني 1902م و انتقل إلى سعرت أبرشيته الجديدة ، تسبقه إليها شهرته كرسول  وعالم . و قد ساعد علم رئيس الأساقفة في الشؤون الشرقية ، و تأثيره الشخصي و حظوته لدى السلطات في وضعه في المرتبة الأولى ، هذا بالإضافة إلى أن ما أشيع عن ثروته الهائلة ، جعله في الصف الأول بين الضحايا التي اختارها الموظف التركي . فاستدعي ظهر السادس من حزيران 1915م إلى قسم الشرطة ، و حكي هناك بأمور غامضة ، لكنه تمكن من ترك سعرت في الليلة نفسها متخفياً بزي كردي يرافقه صديقه عثمان آغا . لم يبعد كثيراً و كانت جميع معابر الجبل تحت الحراسة العسكرية . امتطى جواده طيلة الليل .  و ما إن بزغ الفجر حتى بقيت أمامه ثماني ساعات لاجتياز حدود أبرشيته ، و الاحتماء في ولاية الموصل . لكنه عندما وصل محلة دير شو التابعة لقائممقامية شرنخ صادفته فرقة من العسكر التركي . فخاطبه الضابط قائلاً : مهلاً أيها الكردي . و بعد أن كشف هوية الهارب النبيل قال : أأنت رئيس أساقفة سعرت . فأجابه المطران قائلاً: أنا هو . ثم دار بينهم الحديث التالي:

الضابط : أوقفك هنا باسم الحكومة.

المطران : حسناً سأتوقف هنا.

الضابط : ستموت هنا باسم الحكومة.

المطران : حسناً سأموت هنا . ثم نزل من على صهوة جواده ، ثم أردف قائلاً للضابط : أترك لي فقط خمس عشرة دقيقة من الحرية.

تصوروا ما كانت عليه تلك الدقائق من الحوار السامي بين روحٍ وباريها في حضور الجلادين ، لقد مرت في سرعة ، و في اللحظة الأخيرة أراد المطران أدي أن يموت كأسقف . فخلع عنه الثياب الزائفة ، و وضع على جسده جبته الحمراء ، و في إصبعه خاتمه الأسقفي ، ثم أمسك الصليب بيده ، و انتصب في فخر قائلاً إلى الجنود: أنا جاهز أستطيع أن أموت . و صرعت رصاصات ثلاث الأسقف الشاب الجليل.

و قد اعترف الجلادون بأنهم ما رأوا أبداً رجلاً يموت بهذا النبل . و شهادة على إعجابهم قاموا بحفر ضريح ، و وضعوا فيه جثة ضحيتهم . الشرف للمطران أدي فقد أكمل سلسلة الأساقفة الكاثوليك الثابتين في إيمانهم حتى الموت " .

8- ما قاله الأب أسحق أرملة :" أما السيد أدي شير النبيل ، فأشار عليه عثمان آغا الدير شوي أن يرحل عن سعرت إلى دير شو . و ما مر عليه أسبوع حتى شعر به علي نقيب الأشراف و القاضي ، فأخرج إليه العسكر . و لما أبصروه و ثبوا عليه و أرادوه على الإسلام فأبى . فصوبوا نحوه البنادق ليقتلوه ، فقال لهم : سألتكم بالله أن تمهلوني برهة . فجثا و صلى ، ثم لبس ثوبه و تقلد صليبه و ركع و قال : لكم الحرية أن تفعلوا ما يعجبكم . فأوغلوا في تعذيبه ، و فتكوا به . و عادوا بأمتعته إلى سعرت ، و سلموها للقاضي و علي نقيب الأشراف . غير أن الله جلت أحكامه انتقم للحال من علي المزبور ، و من ابنه أيضاً ، فقتلا كلاهما شر قتلة . و بعد مقتل المطران تشاغل الأعداء بعد ذلك بتوزيع أموال المسيحيين ، و استحلال أرزاقهم و مساكنهم . فجعلوا كنيسة الكلدان الكبرى جامعاً سموه الجامع الخليلي ، تيمناً بخليل باشا " .


الأثار الأدبية للمطران القدير (ادي شير) :



كان أدي شير قد ترعرع منذ صغره في جو مشبع بالعلم و حب التاريخ فراح يدرس و ينقب و يزور الأديرة والمكتبات لجمع المعلومات وتقصي الحقائق التاريخية، فوجد ضالته في مكتبة مطرانية سعرت ومكتبة دير مار يعقوب الحبيس  قرب سعرت ، هاتين المكتبتين الشهيرتين بغنى ما تحتويا من كتب ومخطوطات ، و أغنى مكتبة سعرت بأشهر الكتب التاريخية التي ظهرت في أوربا حينها ، كما أنه كان على اتصال دائم بالمستشرقين ، فأضحى دائرة معارف وموسوعة تأريخية والرجل الثقة صاحب الرأي النافذ في زمانه، لا سيما فيما يخص تاريخ أمته ، فمنح وساماً و قلد شرف العضوية في جمعية العلماء والمستشرقين. لآرائه العلمية الصائبة تقديراً و انصرف إلى الكتابة فراح يتحف المجلات و الصحف و خاصة المشرق البيروتية التي أسسها الأب لويس شيخو اليسوعي ، و مجلة الشرق المسيحي و الباتروجيا الشرقية و مجلة المكاتب بمقالات قيمة ، منها مترجمة و منها من تأليفه ، كما كان يؤلف الكتب ويحقق المخطوطات ،وفيما يلي آثاره المطبوعة كما نشرها الأب جان فييه  الدومنيكي :

 
1- كتاب الصلوات بالكلدانية: طبع في مطبعة الآباء الدومنيكان بالموصل سنة 1891. وعدد صفحاته 303 فيه ثلاثة فصول هي : قوانين تساعد المسيحي لكي يحيا حياة قداسة ، صلوات يومية ، وعبادات أخرى.                                                                                            

2- مقالة في الطقس الكلداني: وضعها بالاشتراك مع الأب بطرس نصري ونشرها في مجلة المشرق البيروتية سنة 1900 ص 817 _ 878 .

 
3- كتاب المنتخبات الكلدانية ( قطبتا ): مع معجم لشرح الكلمات، طبع في الموصل سنة 1898 .
 
4- كتاب سير أشهر شهداء المشرق القديسين ( بالعربية ): جزءان طبعا في الموصل ، الجزء الأول طبع سنة 1900 وعدد صحائفه 425 يبحث فيه عن رسل المشرق الأوائل ودخول المسيحية إلى هذه البلاد والشهداء الذين قتلوا في عهد شابور الثاني. والجزء الثاني طبع سنة 1906 وعدد صفحاته 428 و يبحث عن أشهر الملافنة و شهداء كركوك .

 
5- نبذة في بعض الرجال الذين اشتهروا في الطائفة الكلدانية: وضعها بالاشتراك مع الأب بطرس نصري  و نشرت في مجلة المشرق سنة 1901 ص 847 _ 855 .

6- إكليل مريم العذراء ( بالكلدانية ): بطبعتين كبيرة وصغيرة طبع في الموصل سنة 1904، ويتناول فضائل مريم وقدرتها وعبادة الكنيسة لها ،و بعض المدائح المقتطفة من الطقس الكلداني .

7- مدرسة نصيبين الشهيرة ( بالعربية ): طبع في بيروت سنة 1905، وعدد صفحاته 59 ، يحتوي نبذة تاريخية عن أصل هذه المدرسة وقوانينها والعلماء الذين تخرجوا فيها.

8- جدول المخطوطات الكلدانية والعربية في مكتبة سعرت ( بالكلدانية ): مع فهرست بأسماء المؤلفين حسب الأحرف الأبجدية، وعدد صفائحه 101 .

9- ترجمة داديشوع القطري ومؤلفاته ( بالفرنسية ): نشر في الجريدة الآسيوية سلسلة 10 مجلد 7 سنة 1906 ص 103 _ 215 .

10- جدول مخطوطات دير السيدة بالقرب من ألقوش ( بالفرنسية ): نشر في الجريدة الآسيوية سلسلة 10 المجلد 7 سنة 1906 ص 479 _ 512. والمجلد 8 ص 56 _ 65 .

11- تحليل تاريخ دير سبريشوع من بيت قوقا ( بالفرنسية ): نشر في مجلة الشرق المسيحي سلسلة 2 المجلد 1 سنة 1906 ص 182 _ 197 .

12- دراسة اضافية عن الكتبة السريان الشرقيين ( بالفرنسية ): نشرت في مجلة الشرق المسيحي سلسلة 2 المجلد 1 ص 1 _ 32 .

13- تحليل تاريخ ربان برعيتا ( بالفرنسية ): نشر في مجلة الشرق العربي سلسلة 2 المجلد 1 ص 403 _ 423. والمجلد 2 ص 9 _ 13 .

14- مقالة في حياة وأعمال يوحنا برفنكابي ( بالفرنسية ): نشرت في الجريدة الآسيوية المجلد 10 سنة 1907 ص 161 _ 187 .

15- نبذة عن المخطوطات الكلدانية والعربية في مكتبة مطرانية ديار بكر الكلدانية ( بالفرنسية ): نشرت في الجريدة الآسيوية المجلد 10 ص 331 _ 362. و 385 _ 431 .

16- نبذة عن المخطوطات الكلدانية المحفوظة في المكتبة البطريركية الكلدانية بالموصل (بالفرنسية) : نشرت في مجلة المكاتب المجلد 17 سنة 1907 ص 237 _ 260 .
17- تاريخ سعرت: جزءان نشرا في سلسلة الباترولوجيا الشرقية في السنوات 1907 و 1918. الجزء الأول في المجلد 4 ص 215 _ 313. والمجلد 5 ص 317 _ 344. والجزء الثاني في المجلد 7 ص 95 _ 203، و المجلد 13 ص 435 _ 639، وعاونه آخرون في الترجمة الفرنسية.

18- في سبب تأسيس المدارس لبرحذبشبا عربايا ( النص الكلداني مع ترجمته الفرنسية ): نشر في سلسلة الباترولوجيا الشرقية المجلد 4 ص 316 _ 404.

19- نبذة عن المخطوطات الكلدانية والعربية التي كانت محفوظة في مطرانية ماردين الكلدانية ( بالفرنسية ): نشرت في مجلة المكاتب المجلد 18 سنة 1908 ص 64 _ 95.

20- كتاب الألفاظ الفارسية المعربة: نشر في بيروت سنة 1908، وأعيد نشره في طهران سنة 1965.
21- نبذة عن المخطوطات الكلدانية في متحف بورجيا ( بالفرنسية ): نشرت في الجريدة الآسيوية سلسلة 10 المجلد 13 سنة 1909 ص 249 _ 287.

22- الكاتب الكلداني يوسف حزايا من القرن الثامن ( بالفرنسية ): نشر في مجلة أكاديمية المخطوطات والدراسات الأدبية في باريس سنة 1909 ص 300 _ 307.

23- مقالة إيشاي الملفان وحنانا الحديابي في الشهداء وجمعة الذهب والطلبات يليها صورة الإيمان التي يدلي بها الأساقفة قبل رسامتهم ( بالفرنسية ): نشرت في الباترولوجيا الشرقية المجلد 7 سنة 1909 ص 1 _ 91.

24- حوادث من تاريخ كردستان ( بالفرنسية ): استقاها من مخطوطات عدة ، و وضع فصلاً إضافياً لها ، نشرت في الجريدة الآسيوية سلسلة 10 المجلد 15 سنة 1910 ص 119 _ 139.

25- كتاب اسكولين تيودورس برقوني: نشر النص بمجلدين في مجموعة الكتبة المسيحيين الشرقيين ، المجلد 1 عدد 55/ 19 كلداني سنة 1910، والمجلد الثاني عدد 69/ 26 كلداني سنة 1912.

26- اعتبارات ونقد لآلام بعض الشهداء الفرس ( بالعربية ): نشر في مجلة المشرق سنة 1912 ص 503 _ 509.

27- تاريخ كلدو وآثور ( بالعربية ): جزءان طبعا في بيروت ، المجلد الأول طبع سنة 1912 يتناول فيه تاريخ الأمة الكلدانية الآشورية القديمة ويقع في 185 صفحة ، و المجلد الثاني طبع سنة 1913 و يتناول تاريخ الكنيسة الكلدانية النسطورية حتى مجيء الإسلام ويقع في 312 صفحة مع خرائط.

أما أثاره الغير مطبوعة أو المفقودة فهي:

1-  كتاب جنة المؤلفين: يبحث عن أدباء الكنيسة الشرقية منذ البداية و حتى القرن التاسع عشر ، و يقع في 412 صفحة ، و هو مفقود.

2- تاريخ كركوك: مترجم من التركية إلى العربية. موجود في مكتبة مطرانية كركوك.

3- كتاب قواعد السورث: وهي اللهجة الكلدانية المحكية أو الدارجة ، و هو مفقود.

4- كتاب استشهاد أخيه بيوكا ، و هو مفقود.

5- الجزء الثالث من كتاب كلدو وآثور ، و هو مفقود.