الذكرى الـ 165 للصحافة السريانية
إنتقالات شعبنا من العجلة للقلم و من الطين للحبر
إنطلقت الصحافة السريانية أو كما يحلو للبعض تسميتها بالآشورية ، بجريدة "زهريري دبهرا" العريقة الشهرية و بواقع أربعة صفحات و باللغة السريانية ، رأس تحريرها د. بنيامين لاباري و بمساعدة رابي ميرزا شموئيل .
مرت 165 سنة على هذا الإنجاز الحضاري ، لواحدة من أقدم النهضات الصحفية في الشرق الأوسط ، إذ سبقت الصحافة العراقية بـ 18 سنة و سبقت شقيقتها الكـُردية بـ 49 سنة ! فكانت مؤسسة و مدرسة في آنٍ واحدٍ لأنها لم ترث خبرة و لا وسيلة و لا طريقة عمل ، بل شقت طريقها الوعر عبر مواضيعها الأخبارية و الثقافية و التعليمية و التوجيهية .
تمتلك الصحافة السريانية "الآشورية" خصائص معينة ، تتمايز في عدة نقاط و هي :
1- السبق في الظهور : ظهور الصحافة السريانية ( زهريري دبهرا 1-11-1849 ) قبل العراقية ( الزوراء 1867 ) و الكـُردية ( كـُردستان 1898 ) أعطاها مساحة كبيرة و خالية من تجارب سابقة لتستفيد منها ، فكانت الجريدة و المؤسسة الصحفية و المدرسة الأدبية للمراحل اللاحقة ، فقد صنعت لنفسها شكلا و كينونة خاصة متميزة .
2- العلاقة بالإرساليات المسيحية : إرتباط ظهور الصحافة السريانية بالإرساليات المسيحية التبشيرية ( الأمريكية - الفرنسية - الروسية - .... الخ ) ، فأختلف مقاصد الصحف الصادرة نظراً للإختلافات الناجمة عن تبعية البعثات و إختلاف مشاربها ، حيث بدأ التنافس بينها لإستمالة أبناء شعبنا ؛ على سبيل المثال لا الحصر : البعثة الأمريكية ساعدت "زهريري دبهرا / أشعة النور" بالصدور ، و البعثة الفرنسية ساعدت في إصدار "قالا دشرارا / صوت الحق" .
3- الإصدار عن بعد : صدورها معظمها بعيدة عن مدن و مناطق شعبنا التاريخية (هذا لا يعني الإستخفاف بالوجود التاريخي لشعبنا في أورميا / إيران و ديار بكر / تركيا) كصدور صحيفة بيث نهرين ( 1916 - 1929 ) في نيوجرسي / أمريكا لنعوم فائق ، و صدور صحيفة خدانايوثا سوريتا / الجامعة السريانية ( 1934 - 1961 ) لفريد نزهة في بوينس آيرس / الأرجنتين ، و ذلك لإسباب متعددة و مختلفة أغلبها سياسي و الإضطهاد ، و هذه النقطة تتشاركها الصحافة السريانية مع نظيرتها الكـُردية لتشابه الظروف .
4- عدم الإستمرارية : تشترك معظم صحف شعبنا بعدم الإستمرارية ، و هذه العدوى مستمرة الى يومنا هذا ، إذ إنطلقت العديد منها و لم تلبث الى أن توقفت على الرغم من تقديمها رؤية جديدة و إثراء الساحة الصحفية ، لكن أسباب التوقف تراوحت بين سياسية كملاحقة مصدريها ، و أسباب مالية كعدم وجود رأس المال الكافي للتواصل الطباعة و أسباب مؤسساتية كقلة محرريها أو موت المؤسسين ؛ على سبيل المثال : كوخوا / نجم الشرق ( 1910 - 1912 ) لنعوم فائق الصادرة في ديار بكر / تركيا ، و صحيفة مهديانا اثور ( 1910 - 1914 ) لآشور يوسب ، و صحيفة شيبورا / البرق ( 1912 - 1915 ) الذي أصدرها بشار بوراجي من ديار بكر / تركيا و غيرها كثيرة .
5- التعدد اللغوي : تكاد صحافتنا غنية بمقالات مختلفة لغوياً متعددة فكرياً ، متأثرة بالثقافة السريانية الآم و بثقافة الشعوب المتجاورة و ثقافة الإرساليات أدباً و لغة ( التركية و الإنكليزية و الفرنسية و الروسية و العربية و الكـُردية ) ، فصدرت صحفنا باللغة السريانية و بلغات اخرى تكاد تكون أربعة لغات في صحيفة واحدة كما الحال في صحافتنا اليوم ، الهدف منها زيادة عدد القراء و تقريب وجهات النظر و نقل أخبار شعبنا و قضيته العادلة .
6- الإستقلالية و التحزب و السياسة : إرتبطت الصحافة السريانية "الآشورية" بقضايا الأمة فلم تتعدد أهدافها ، إنحصرت على نشر الوعي القومي و تثبيت اللغة السريانية في حالات صدورها عن أشخاص ، و نشر الوعي السياسي و الحقوق و الخطابات الحزبية و التوجهات الفكرية التحررية ؛ فكادت الإستقلالية معدومة في كثير من الأحيان خصوصاً في العقود القريبة الماضية ، فأتجهت أغلب الصحف السريانية لتكون مرتبطة بمؤسسة أو منظمة أو أحزاب .
7- عصرنة اللغة السريانية : تعد هذه النقطة الأهم ، فقد كانت الصحافة السريانية بحق الأداة المجددة و الناقلة للغة السريانية و مفرداتها الى العصر الحديث و المعاصر ، فأصبحت لغة أكاديمية سلسة للكتابة الصحفية و جاهزة للتعليم بها كافة المعالم و المعارف في المدارس القومية و بلغة سريانية جديدة مطعمة باللغة الشعبية الدراجة ، بعد أن كانت السريانية قبل ظهور صحافتها حبيسة و مقيدة بالكتب الدينية و الطقسية الكنسية ؛ فخرجت من إطارها التقليدية و أنطلقت لتتكيف مع معطيات العصر .